ثم يستغفر للمؤمنين والمؤمنات ويقول: (رَبَّنا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنا) آل عمران: 8 الآية، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وَقنا عذاب النار، وليس بعد هذا دعاء مفضل ولا كلام مأثور سوى ما ذكرناه آنفاً من الاستعاذة بالكلمات الخمس، وإنْ اقتصر عليها أجزأته ويكره للإمام أن يخصّ نفسه بدعاء دون من خلفه فإن دعا في صلاته فليجمع بالنون فيقول نسألك ونستعيذك وهو ينوي بذلك نفسه ومن خلفه.
وفي الخبر: من أمّ قوماً فلا يخصّ نفسه بدعوة دونهم فإن اختار المريد التأذين على الإمامة فقد قال بعض السلف من العلماء: إنّ الأذان أفضل من الإمامة، وإنّ المؤذن أعظم أجراً لقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الإمام أمير، ولقوله: الإمام ضامن، فشبهها بالإمارة والضمان، ثم قال: فإن نقص فعليه لا عليهم، فالأذان أسلم، ولعله لا يقوم بحكم الإمامة، ولا يتمّ وصف الإمام فيكون عليه بعض صلاة المصلّين كما يكون له أيضاً في الإتمام أجورهم، وأيضاً فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا للمؤذنين دعاء هو أمدح من دعائه للإمام بقوله: اللهم أرشد الأئمة، واغفر للمؤذنين وبقوله: يغفر للمؤذن مدى صوته ويشهد له كل رطب ويابس، ووصفه أيضاً بوصف هو أبلغ فقال: المؤذن مؤتمن، وفي لفظ آخر: مؤذنوكم وأئمتكم ضمناؤكم، فالأمين أرفع حالاً من الضامن لأنّ الضامن غارم، وقد لا يكون أميناً، والأمين مكيناً، ولا ضمان عليه؛ ومن هذا كره سهل بن سعد الساعدي الإمامة، قال أبو حازم: قلت لسهل بن سعد وكان يقدم فيتان قومه يصلّون به، فقلت: أنت صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولك من السابقة والفضل لو تقدّمت فصلّيت بقومك، فقال: يا ابن أخي سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: الإمام ضامن فأكره أنْ أكون ضامناً، وفي الخبر: من أذّن في مسجد سبع سنين وجبت له الجنة، ومن أذّن أربعين عاماً دخل الجنة بغير حساب، وفي الخبر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثلاثة يوم القيامة على كثيب من مسك يفزع الناس ولا يفزعون حتى يقضي بين الخلائق؛ رجل قرأ القرآن فأدّاه إلى الله سبحانه وتعالى بما فيه، ورجل أذّن في مسجد ابتغاء وجه الله تعالىى، ورجل ابتلى بالرق في الدنيا فأطاع الله عزّ وجلّ وأطاع مواليه.
وروينا في تفسير قوله تعالى: (ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله) فصلت: 33؟ قال: نزلت في المؤذنين وعمل صالحاً قال: الصلاة بين الأذان والإقامة يستجب إذا فرغ المؤذن من الأذان أن يقول: وأنا من المسلمين الحمد لله رب العالمين، وتلا قوله وعمل صالحاً، وقال: إنني من المسلمين، وقوله مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين، فاستحب أنْ يصلّي المؤذن بين الأذان والإقامة أربعاً، وأنْ يجهد في الدعاء، قال: وكان السلف يكرهون أربعاً ويتدافعونها عنهم: الإمامة والفتيا والوصية والوديعة، وقال بعضهم: ما شيء أحب إليّ من الصلاة في جماعة، وأكون مأموماً فأكفى سهوهاً ويتحمل غيري ثقلها، ولكن إذا أقمت الصلاة فليتقدم من أمر بالتقدم ولا يتدافعونها، فقد جاء في العلم