أو كرهه مَنْ وراءه من المأمومين فلا يحل له أنْ يتقدم، فإن اختلفوا فكرهه قوم وأحبه آخرون، نظر إلى أهل الدين والعلم منهم فحكم بقولهم ولا يعتبر الأكثر إذا كان الأقلون هو الأخير، ولا يصلّي خلف مبتدع، فمن صلّى خلف مبتدع ولا يعلم فليعد، ومن سمع الأذان من مسجد وهو في طريق يمشي فليدخل فليصلِّ، ولا يؤخر إلى مسجد آخر إلاّ لأحد معنيين: أنْ يكون على يقين من لحوق إمام آخر أفضل من هذا، أو يكون يعرف هذا ببدعة أو فسوق، وإلاّ فالصلاة مع أوّل من قام بها من المسلمين أفضل.
وفي الخبر: لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد، وفي جار المسجد قولان: أحدهما من سمع الأذان وروي هذا عن عليّ عليه السلام، والثاني من كان بينه وبين المسجد ثلاث دور وهو الرابع، والتشديد في ترك الجماعة على من سمع التأذين، ومن كان في جنبه مسجدان فأولاهما بالصلاة فيه أقربهما منه، وهذا مذهب الحسن إلاّ أنْ يكون له نية في كثرة الخطا إلى الأبعد، أو يكون إمام الأبعد هو الأفضل، وقيل: أقدمهما، وروي هذا عن أنس بن مالك وبعض الصحابة، أنهم كانوا يجاوزون المساجد المحدثة إلى العتق، ومن كان مأموماً فلا يقرأ سورة مع الحمد فيما يجهر به الإمام أصلاً ولا يقرأ الحمد أيضاً إلاّ في سكتات الإمام وإنْ قطعها، فإن لم يكن للإمام سكتات قرأ الحمد فقط فيما يجهر به الإمام، وكان ما عليه من وزر قراءته في قراءة الإمام على إمامه، لأنه قد نقص صلاته وترك ما عليه، فالله عزّ وجلّ حسيبه، فإذا أسر الإمام فليقرأ الحمد وسورة إذا أمكنه ولا بدّ من قراءة الحمد وحدها، واستحب للإمام أنْ يتحول إذا صلّى المكتوبة فلا يصلّي في موضعه نافلة، ففي الخبر: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا سلم وثب، وكان أبو بكر رضي الله عنه إذا سلم وثب، وكان عمر رضي الله عنه إذا سلم وثب، وفي الخبر المشهور أنه لم يكن يقعد إلاّ قدر قوله: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام، ثم ينصرف، وإنْ تحول المأموم فصلّى النافلة في غير مكان الفريضة ولو بقدم فحسن، ففي ذلك أثر، فإن جلسا قليلاً للتسبيح والدعاء فلا بأس، وهذا آخر كتاب الإمامة.