رضي الله عنه سائلاً يسأل بعد المغرب فقال: يا يرفا عشِّ الرجل، فعشّاه، ثم سمعه ثانية يسأل فقال: ألم أقل لك عشِّ الرجل؟ فقال: قد عشيته، فنظر عمر فإذا تحت يدة مخلاة مملوءة خبزاً فقال: لست سائلاً ولكنك تاجر، ثم نثر المخلاة بين يدي إبل الصدقة وضربه بالدرة وقال: لست سائلاً، أنت تاجر.
وروينا عن عليّ عليه السلام أنّ لله عزّ وجلّ في خلقه مثوبات فقر وعقوبات فقر، فمن علامة الفقر إذا كان مثوبة أن يحسن خلقه، ويطيع به ربّه، ولا يشكو حاله، ويشكر الله تعالى على فقره، ومن علامات الفقر إذا كان عقوبة أن يسوء عليه خلقه ويعصي به ربّه ويكثر الشكاية ويتسخط القضاء؛ فهذا كما قال عليه السلام، وهذا النوع الذي هو عقوبة من الفقر هو الذي استعاذ منه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو فقر النفس، لأن الفقر من المال إنما هو الافتقار إلى الخلق والفقر إلى الأشياء مع عدم صدق الحال.
وقد روينا في الخبر: مسألة الناس من الفواحش ماأحلّ من الفواحش غيرها، وبايع رسول اللّّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوماً على الإسلام فاشترط عليهم السمع والطاعة، ثم قال كلمة خفيفة: ولا تسألوا الناس شيئاً فكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر بالتعفّف والكفّ عن المسألة ويقول: من سألنا أعطيناه ومن استغنى أغناه الله عزّ وجلّ، وقال: من لم يسألنا فهو أحبّ إلينا، وقال عليه السلام: استغنوا عن الناس، وما قلّ من السؤال فهو خير، قالوا: ومنك يارسول الله قال: ومني، فلو لم يكن في ترك المسألة لادعاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من سأل عن غنى فإنما يستكثر من جمر جهنم، ومن سأل وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ووجهه عظم يتقعقع ليس عليه لحم، وفي خبر آخر: كانت مسألته خدوجاً وكدوحاً في وجهه، وفي الحديث: استغنوا بغنى الله عزّ وجلّ، قالوا: وما هو؟ قال: غداء يوم أو عشاء ليلة، وفي الخبر: من سأل وله خمسون درهماً أو عدلها من الذهب، فقد سأل إلحافاً، ومن كان معه هذا القدر من الدنيا لم يخرجه من عموم الفقراء، فإن سأل مع ذلك أخرجه من عمومهم، ومن سأل قبل الجوع أو بعد الشبع أو سأل ليدّخر أو سأل وله غداء يوم أو عشاء ليلة أخرجه ذلك من خصوص الفقراء، وسئل سفيان الثوري عن أفضل الأعمال فقال: التجمّل عند المحنة، وعلى الفقير أن لا يزكي غنياً لأجل عطائه، ولا يذمّه ولا يمقته لأجل منعه، ولا يعظم أهل الدنيا، ولا يكرّمهم لأجل دنياهم، وقال ابن المبارك: من تواضع الفقير أن يتكبر على الأغنياء، وعن عليّ عليه السلام في حكاية المنام: ما أحسن تواضع الغني للفقير رغبة في ثواب الله عزّ وجلّ، وأحسن منه تيه الفقير على الغني ثقة بالله عزّ وجلّ، ومن فرائض الفقر أن لا يسكت الفقير عن حقّ، ولا يتكلم بهوى لأجل دوام العطاء من أحد، ولا لاجتلاب نفع؛ فإن ذلك وليجة في الدين ومداهنة للمؤمنين، ومن فضائل الفقر أن لا يدّخر لأكثر من أربعين يوماً، ولا يكون المدّخر أكثر من