وكان الثوري يقول: إذا أردت أن لاتطعم عيالك من شيء تأكله فلا تحدثهم به ولا يرونه معك، وينبغي أن يكون للمجيب إلى الدعوة نيّات سبع؛ إذ الأعمال بالنيّات ولكل امرئ ما نوى، إذ الإجابة من الأعمال، فمن نواها دنيا كانت له دنيا لعاجل حظه، ومن أراد بها آخرة فهي له آخرة بحسب نيته، وإنْ لم تحضر نية أو أعتلّ بفسادها توقف حتى يهيئ الله عزّ وجلّ له نية صالحة تكون الإجابة عليها أو ترك الإجابة إذا كانت بغير نية، لأنها من أفاضل الأعمال، فتحتاج إلى أحسن النيّات لوجود العالم فيها فتكثر بها الحسنات، ولفقد الهوى منها فيسلم فيها من السيئات وإلاّ كانت إجابته هزواً، وكان عاملاً في باب من أبواب الدنيا، وساعياً ف حظّ نفسه وملء جوفه وقد قال الرسول عليه السلام: من كانت هجرته إلى دنيا يصيبها فهجرته إلى ما هاجر إليه، فيصير مأزوراً بفساد النية، أو يكون غير مأجور لعدمها.
فأول النيات طاعة الله تعالى وطاعة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقوله عليه السلام: من لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
والثانية إقامة سنته لقوله عليه السلام: لو دعيت إلى كراع لأجبت وهو موضع على أميال من المدينة أفطر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رمضان لما بلغه وقصر عنده في سفره، وقال في الخبر الآخر: لو دعيت إلى ذراع لأجبت؛ فهذا ظاهر في الإجابة عن القليل، والأول محتمل في الإجابة إلى الموضع البعيد، فقد نقل أنّ في التوراة أو في بعض الكتب سر ميلاً عد مريضاً، سر ميلين شيّع جنازة، سر ثلاثة أميال أجب دعوة، سر أربعة أميال زر أخاً في الله عزّ وجلّ، فبعد في إجابة الدعوة وفضّلها على العبادة وشهود الجنازة لأن فيها قضاء حق الحي، وفيها إجابة داعٍ.
والنية الثالثة إكرام أخيه، وفي الخبر: من أكرم أخاه المؤمن فإنما يكرم الله تعالى، وفي حديث الحسن وعطاء: من جاءه شيء من غير مسألة فردّه فإنما يرده على الله تعالى، فترك الإجابة ردّ العطاء، وفي تأويل الخبر عن الله تعالى بمعناه أنه يقول للعبد يوم القيامة: جعت فلم تطعمني، فيقول: كيف أطعمك وأنت ربّ العالمين؟ فيقول: جاع أخوك المسلم فلم تطعمه، ولو أطعمته كنت قد أطعمتني، فمن ظاهره تعظيم حرمة المسلم لأنه أقامه مقامه، وفي باطنه في الفهم أنه إذا أجابه فقد عاونه على إطعام نفسه، فكأنه أطعمها، فإذا لم يجب دعوته فقد ترك معاونته على إطعامه فدخل تحت التفريع بأنه لم يطعم نفسه وهو المسلم إذا لم يجب الدعوة فتفكّروا.
والنية الرابعة إدخال السرور على أخيك المؤمن، والخبر الآخر: من سرّ مؤمناً فقد سرّ الله عزّ وجلّ.