ومرتبته في الرياضة في الدنيا؛ وهذا على خلاف سنّة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أفعاله أنه كان يجيب دعوة المسكين ويجيب دعوة العبد، ومن قوله: بئس الطعام وشرّ الطعام الوليمة يدعى إليها الأغنياء ويترك الفقراء، ثم قال: من لا يجيب الدعوة فقد عصى الله تعالى، ومرّ الحسين بن عليّ رضي الله عنهما بقوم من المساكين الذين يسألون الناس على قارعة الطريق، وقد نثروا كسراً على الأرض في الرمل وهم يأكلون، وكان على بغلته، فلما مرّ بهم سلّم عليهم فردوا عليه وقالوا: هلمّ إلى الغداء يا ابن بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: نعم إن الله لا يحبّ المستكبرين ثم ثنى وركه فنزل عن دابته وقعد معهم على الأرض وأقبل يأكل ثم سلم عليهم وركب، وفي خبر آخر - زيادة - فقال: قد أجبتكم فأجيبوني، قالوا: نعم فوعدهم المجيء في وقت من النهار فجاؤوا فرحّب بهم ورفع مجلسهم، ثم قال: يا واذات هاتي ما كنت تدّخرين، فأخرجت الجارية فاخر ما عندها من الطعام فأقبل يأكل معهم، وكان ابن المبارك يقدم إلى إخوانه فاخر الرطب ويقول: من أكل أكثر أعطيته بكل نواة درهماً فكان يعد النوى فيعطي من كان له فضل نوى بعددها دراهم.
وقال بعض أهل الاعتبار: ما أجبت إلاّ لأتذكر بها نعيم الجنة، طعام ينقل بغير كلفة ولا مؤونة، ولذلك قيل: إنّ اجتماع الإخوان في وجود الكفاية على الأنس والأُلفة ليس هو من الدنيا، وقد كان بعض الصوفية يقول: لا تجب دعوة إلاّ من يرى لك أنك أكلت رزقك وأنه سلمه إليك وديعة كانت لك عنده، ويرى لك الفضل عليه في قبولها منه؛ فهذه شهادة العارف من الداعين، كذلك شهادة المدعوين من الموحدين؛ أن يشهدوا الداعي الأول، والمجيب الآخر، والمعطي الباطن، والرازق الظاهر، كما امتحن أصحابه بذلك بعض الصوفيين: بلغني أنّ رجلاً دعا إماماً من الصوفية في أصحابه إلى طعام، فلما أخذ القوم مجلسهم ينتظرون فضل الطعام إليهم، خرج إليهم شيخهم فقال: إنّ هذا الرجل زعم أنه دعاكم وأنكم تأكلون طعامه ففي حرج، أو قال: حرام على من لم يشهده في فعله أن يأكل، قال: فقاموا كلهم فخرجوا ولم يستحلوا الأكل، إذ كانوا لا يرونه في الفعل إلاّ غلاماً حدثاً، فإنه قعد إذ لم تثبت شهادته ولم ينفذ نظره العبارة والمعنى لقائله مثله أو نحوه: وإن دعاك أخوك وأنت صائم فعلمت أنه يسرّ بأكلك فلا بأس أن تفطر لأجله، فإن لم تعلم ذلك منه وقال لك: أنا أسرّ بأكلك فصدقه وأحسن به الظنّ، وإن لم تعلم ذلك منه ولم يلفظ به لساني فإني أكره خروجك من عقد الصوم لغير نية، هي أبلغ منه أو مثله، فصومك حينئذ أفضل، وإنْ أكلت مع أخيك تريد إكرامه بذلك فهذه نية صالحة، قد كان بعضهم إذا أكل يوم فطره أكل مع إخوانه ويحتسب في أكله ما يحتسب في صو مه.
وروينا عن ابن عباس أنه قال: من أفضل الحسنات إكرام الجلساء، ومن لم يرد أن يطعم قوماً من طعام فلا يظهرهم عليه ولا يصفه لهم سواء كان هو قد أكله أو لم يأكله،