والنية الخامسة رفع الغمّ عن قلبه ووضع الهمّ عن نفسه في ترك إجابته من ترجيم الظنون به وتوقيع الرجم بالغيب فيه لما لم يجب ولعله يجيب، وإلا كان يجيب فيرفع عنه ذلك ويسقط عنه مؤونته سوء الظن به وتنزيل الشك فيه باليقين به.
والنية السادسة أن ينوي زيارته فيصير ذلك نافلة له تماماً على الذي أحسن، فقد جاء في فضل الزيارة في الله تعالى وأنّ بها يستحق ولاية الله تعالى، وأنها علامة ولاية المتحابين في الله فاشترط لذلك شيئان: التباذل لله والتزاور فيه، فقد حصل البذل من أحدهما بقيت الزيارة من الآخر على الخبر السائر أنّ الإجابة من التواضع، كما ذكرنا قبل: أنّ المتكبرين لا يجيبون الداعي فهذه سبعة أعمال نيّات لمن وفّق لعملها والعمل بها، ومن طرقته فاقة من الفقراء فقصد بعض إخوانه يتصدى للأكل عنده فجائز له ذلك بشرطين: لا يكون عنده موجود من طعام ونيته أن يؤجر أخاه ويكون هو الجالب لأجره لأنه عرضه للمثوبة؛ فهذا داخل في التعاون على البرّ والتقوى وداخل في التحاض على طعام المسكين ونفسه كغيره من الفقراء، ولأن أخاه لا يعلم بصورة حاله ولو علمه لسرّه ذلك ففيه إدخال السرور عليه من حيث يعلم، وقد فعل هذا جماعة من السلف، وقد روى بمعناه أثر من ثلاثة طرق للسلف الصالح منهم: عون بن عبد الله المسعودي، كان له ثلاثمائة وستون صديقاً، وكان يكون عند كل واحد يوماً وآخر كان له ثلاثون صديقاً كان يكون عند كل واحد يوماً وليلة وكانوا يقدمون هذه الأخلاق السنيّة مع إخوانهم فيؤثرونها على المكاسب والمعلوم، فكان إخوانهم معلومهم، ولم يكن هؤلاء يكتسبون ولا يدّخرون، وكان لإخوانهم فيهم نية صالحة يسألونهم ذلك ويقسمون عليهم فيه ويرونه من أفضل أعمالهم، وكان هؤلاء للإنصاف يكرمون إخوانهم بإجابتهم وكونهم عندهم، ولم يكن سعيد بن أبي عروبة يعرض على إخوانه الطعام، ولكنه كان يظهره ويعرض به فكان اللحم مسلوخاً مصلقاً والخبز موجوداً ظاهراً، وكذلك كان يفعل بالثياب والأثاث، كان جميع ما في منزله مظهراً مسبلاً، فكل من دخل عليه من إخوانه إن شاء قطع من المسلوخ فشوى وطبخ، وإن شاء أكل من الخبز بما وجد من الأدم، ومن شاء لبس من الثياب ما شاء فكان ذلك مشاعاً في منزله لمن أراد تناوله، ومنهم من كان منقطعاً في منزل أخيه قد أفرده بمكان يقوم بكفايته ولا يبرح من منزله على الدوام يحكم فيه ويتحكم كما يكون في منزل نفسه، وقال بعض العلماء: أكلتان لا يحاسب العبد عليهما: ما أكله في سحوره وما أكله