لو كان في هذا الملح سعتر لكان أطيب، فخرج سلمان فرهن مطهرته وأخذ سعترًا، فما أكلنا قال صاحبي: الحمد لله الذي قنعنا بما رزقنا، فقال سلمان: لو قنعت بما رزقت لم تكن مطهرتي مرهونة، فإن كان أخوه ممن يأنس به وعلم أنّ اقتراحه عليه مما يحبّه فلا بأس بذلك، قد فعله الشافعي مع الزعفراني رحمها الله تعالى، كن نازلاً عليه ببغداد فكانا يخرجان يوم الجمعة إلى الصلاة، فكان الزعفراني يكتب في رقعة للجارية ما تصلح من الألوان، فدعا الشافعي ذات يوم الجارية فنظر فيها ثم زاد لوناً اشتهاه، فلما جاء الزعفراني وقدّمت الجارية ذلك اللون أنكره، إذ لم يأمرها به فسألها عنه فأخبرته أنّ الشافعي زاد ذلك في الرقعة، فقال: أريني الرقعة، فلما نظر إلى خط الشافعي في الرقعة بذلك اللون فرح بذلك وأعجبه، فقال: أنت حرة لوجه الله تعالى فأعتقها سروراً منه بفعل الشافعي ذلك، وإليه نسب درب الزعفراني بباب الشعير في الجانب الغربي من بغداد، فإن شهاه أخوه وسأله فلا بأس أن يذكر له شهوة ليصنعها فيعينه على فضيلتها.
فقد روينا في فضل ذلك غير حديث، منها الحديث المشهور: من صادف من أخيه شهوة غفر له، ومن سرّ أخاه الممؤمن فقد سرّ الله عزّ وجلّ، وروينا عن ابن الزبير عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من لذذ أخاه بما يشتهي كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة ورفع له ألف درجة، وأطعمه الله تعالى من ثلاث جنات؛ جنة الفردوس، وجنة عدن، وجنة الخلد، والخلال بعد الأكل حسن فلا يبين عنه، ولا بأس بغسل اليد في الطست وليس من الأدب التنخم فيه.
وروينا أنّ أنس بن مالك اجتمع هو وثابت البناني على طعام فقدّم الطست إلى ثابت ليغسل يده فامتنع، فقال أنس: إذا أكرمك أخوك فاقبل كرامته ولاتردّه فإنه إنما يكرم الله عزّ وجلّ، وروى أنّ هارون الرشيد دعا أبا معاوية الضرير فصبّ الرجل على يده في الطست، فلما فرغ قال له: يا أبا معاوية تدري من صب على يدك؟ قال: لا، قال أمير المؤمنين قال: يا أمير المؤمنين، إنما أكرمت العلم وأجللته فأجلّك الله عزّ وجلّ وأكرمك، كما أجلت العم وأكرمته، وأكره قيام الخادم أحبّ إلى أن يصبّ على يده جالسًا، واجتماع الاثنين أو الثلاثة في غسل اليد وجمع مائهم المستعمل في مرة واحدة في الطست حسن؛ وهو من التواضع، ومن انفرد بغسل يده وحده فلا بأس أن يتنخم في الطست، ومن بزق فيه بعد أن يرفع ويفرغ من غسل يده فلا بأس.
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى الأمصار: لا يرفع الطست من بين يدي القوم إلاّ مملوءاً ولا تشبّهوا بالعجم، وقد رويناه عن ابن مسعود أنه قال: اجتمعوا على غسل اليد في طست واحد ولا تستسنوا بسنّة العجم، ولا يزدردن ما أخرج الخلال من أسنانه فإنه داء ومكروه، وما لاكه بأسنانه فلا بأس أن يزدرد وليتمضمض بعد الخلال ففيه أثر عن بعض أهل البيت عليهم السلام،