ثلاث؛ لا تدخل من السوق شيئًا، ولاتدّخر ما في البيت، ولاتجحف بعيالك، وقد كان من سيرة السلف إذا دعا أحدهم أخاه قدم جميع ما بحضرته أو أخرج من كل شيء عنده شيئاً، وكان بعض الرؤساء من الأجواد إذا دعا الناس إلى طعامه يدعو الخباز فيقول: أعلم الناس بما عندك من الألوان، قال: ثم يدعهم يأكلون حتى إذا قاربوا الفراغ جثاً على ركبتيه ومدّ يده إلى الطعام فأكل، وقال: ساعدوني بارك الله عليكم، فكان السلف يسحسنون ذلك منه وليس من السنّة أن يقصد الرجل قومًا يتحيّن حضور طعامهم ليصادفه؛ فإن ذلك من المفاجأة، فقد نهى عنه قال الله سبحانه تعالى: (لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبيّ إلاّ أنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إلى طعام غَيْرَ ناظرين إناهُ) لأحزاب: 53 يعني منتظرين حينه ونضجه، وفي الخبر: من مشى إلى طعام لم يدع إليه مشى فاسقًا وأكل حراماً، ولكن إن صادفهم يأكلون فسألوه أن يأكل معهم، وعلم أنهم يحبون أكله معهم فلا بأس، وليس ذلك داخلاً في المفاجأة، فإن لم يعلم أنهم يحبون أن يأكل معهم وإنما قالوه تعزيزاً وحياء كرهت له الأكل معهم، وإن كان جائعاً فقصد بعض إخوانه ليطعمه ولم يتحيّن وقت أكله فلا بأس بذلك، قد قصد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وعمر رضي الله عنهم منزل أبي الهيثم بن التيهان وأبا أيوب الأنصاريين لأجل طعام يأكلونه وكانوا جياعًا، ومن السنّة أن يخرج الرجل مع ضيفه إذا انصرف إلى باب الدار، وليس من السنّة أن يخرج الضيف من النزل عن غير إذن صاحبه ولا أن يقيم للضيافة فوق ثلاثة أيام حتى يخرجه أويتبّرم به يتأثر في ذلك.
وقال بعضهم: إذا قصدت للزيارة فقدّم ما حضر، وإذا استزرت فلا تبقَ ولا تذر، وفي الخبر: دخلناعلى جابر بن عبد لله فقدم إلىنا خبزًا وخلاة وقال: لولا أنّا نهينا عن التكلّف لتكلفت لكم، وفي حديث يونس عليه السلام أنه زاره إخوانه فقدّم إليهم كسراً من شعير، وخبز لهم بقلاً كان يزرعه ثم قال: كلوا لولا أنّ الله تبارك وتعالى لعن المتكلفين لتكلفت لكم، وروينا عن أنس بن مالك وغيره من الصحابة: كانوا يقدمون إلى إخوانهم ما حضر من الكسر اليابسة والحشف من التمر والدقل ويقولون: لا ندري أيهما أعظم وزرًا الذي يحتقر ما يقدّم إليه أو الذي يحتقر ما عنده أن يقدّمه.
وقد روينا في معناه خبراً مسنداً وقد كان أنس وغيره يقدمون ما عندهم إلى إخوانهم ويقولون إنّ الاجتماع على الطعام من مكارم الأخلاق، وفي الخبر: أنّ أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانوا يجتمعون على قراءة القران ولاذكر ولا يفطرون إلاّ عن ذواق ولا ينبغي للمدعو أن يقترح على الداعي شيئًا بعينه فيقول: أريد كذا، فليس ذلك من القناعة، فإن خيّره أخوه بين طعامين فليختر أقربهما منه وأيسرهما عليه كذلك السنة، وفي الخبر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما خيّر بين أمرين إلاّ اختار أيسرهما، وحدثونا عن الأعمش عن أبي وائل قال: مضيت مع صاحب لي إلى سلمان نزره فقدم إلىنا خبز شعير وملحًا جريشًا، فقال صاحبي: