بعض الرؤساء إخوانه فأنفق مائتي درهم، فقال له بعض الحكماء: لم تكن تحتاج إلى هذا كله إذا كان خبزك جيداً وخلك حامضاً وماؤك بارداً فهو كفاية، وقال بعضهم: الحلاوة بعد الطعام خير من كثرة الألوان، والتمكن على المائدة خير من زيادة لونين، وقال آخر: شرب الماء البارد على الطعام خيرمن زيادة الألوان، وقال أبو سليمان الداراني: أكل الطيّبات يورث الرضا عن الله عزّ وجلّ، وقال المأمون رحمه الله: شرب الماء بثلج يخلص الشكر لله عزّو جلّ.
وقال: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن إكرام الضيف تعجيل الطعام لهم، وأفضل ما قدم إليهم اللحم، وخير اللحم السمين النضيج؛ فإن كان بعد اللحم حلاوة فقد جمع لهم الطيّبات، ينتظم هذه المعاني قوله عزّ وجلّ: (هَلْ أَتَاكَ حديثُ ضَيْفِ إبْراهيمَ المُكْرَمَينَ) الذاريات: 24، قيل في المكرمين قولان؛ أحدهما: خدمته إياهم بنفسه، والثاني أكرمهم بتعجيل الطعام إليه م، قوله تعالى: (فَمَا لَبثَ أنْ جَاءَ بِعْجِلٍ حنيذ) هود: 69 أي فما احتبس ولا أقام والحنيذ النضيج، وقال تعالى: (فَرَاغَ إلى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعْجِلٍ سمين) الذاريات: 26، الروغان: الذهاب بسرعة، وقيل: الذهاب بخفية، وقيل: إنه جاء بفخذ من لحم فسمى عجلاً لأنه عجله ولم يلبث به، ثم وصف بأنه سمين نضيج، يقال: حنيذ ومحنوذ أيضًا، قال: كان نضيجًا، وقال في وصف الطيّبات: (وأنزلنا عليكم المنّ والسلوى) البقرة: 57 المن: العسل، والسلوى: اللحم، سمي سلوى لأنه يسلى به عن جميع الأدام، إنّ فيه غنية عن جميعها، وليس في كلها مقامه، ثم قال تعالى: (كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ ما رزقْناكُمْ) البقرة: 57، فاللحم والحلاوة من طيّبات الرزق، وليأكل الرجل في منزل أخيه سجية أكله في منزله بغير تكلّف ولاتزين، لأنه قد يدخل من الرياء والتزين في الطعام مثل ما يدخل في سائر الأعمال من الصلاة والصيام؛ والأكل عمل وكل عمل يحتاج إلى نية وإخلاص، فلتكن نيته في أكله الاستعانة على الطاعة، ولتكن نيته مع إخوانه إكرامهم بذلك وإدخال السرور عليهم والتبرك بالجماعة، لقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الجماعة بركة، وينوي إقامة السنّة في إجابة الدعوة ليكون مأجورًا في أكله، عاملاً في جميع ذلك بسنّة نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهذا كله داخل في حسن الخلق، وهو في معنى قول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن العبد ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم، وقد قال بعضهم: هو الرجل يسأل إخوانه أنْ يفطر معهم نهارًا، أو يسهر معهم ليلاً، ويكون من عادته الصيام والقيام، فيساعدهم تخلقًا معهم فيدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم.
وقال بعض العلماء من أهل الأدب: ليس من السنّة والمروءة أن يزور الرجل إخوانه فيتشاغل عنهم بالصلاة النافلة، أو يستزيره إخوانه فيقدمون إليه الطعام فلا يساعدهم عليه لأجل الصيام ولايقصر عن بغيته من الأكول فيترك الأكل مع حاجته إليه، فإنه غير محمود