علامة في فطره وصومه، كان الوجود علامة فطرة يكون مرادًا به وكان العدم علامة صومه يكون معه مرادًا، وعلى المعنى تصريف قلوب العارفين ومن هذه المشكاة تضيء بصائر الشاهدين ولا يوكلون إلى حال، ولا يوقفون مع مقام، ولا تصحّ هذه الثلاث إلاّ بثلاث خلال: أحدها عدم الهوى وتوقان النفس بالعادة، والثانية: أن يكون له في أكله نية كما له في صومه نية فيكون أكله لله فيستوي أكله وصومه إذ كان العامل فيهما واحدًا، والثالثة أن يحفظ الجوارح الست بحسن الرعاية فيكون صائماً بما هو فرض علىه وأفضل له؛ وهنّ البصر، والسمع، واللسان، والقلب، واليد، والرجل، ويكون مفطراً بالبطن والفرج فيكون ما حفظ أكثر وأبلغ وأحب إلى الله عزّ وجلّ، ويكون أفضل ممن صام بجارحتىن؛ فإن لم يكن من أصبح صائمًا ثم أفطر بهذه الأوصاف الثلاث دخلت علىه الشهوة الخفيّة التي فسّرها رسول اللّّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقد روينا أنّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما قال: أخاف علىكم الرياء والشهوة الخفيّة فقال: أن يصبح أحدكم صائمًا ثم يعرض له الطعام يشتهيه فيفطر لأجله فالأفضل لمن عقد لله صومًا أن يتمه، فإن فسخه لغير الله تعالى عوقب على ذلك من عقوبات القلوب أو عقوبات الجوارح في طرقات الآخرة؛ فتلك عقوبة ترك فضائل الأعمال، وفي خبر: نوم العالم عبادة ونفسه تسبيح، هكذا رويناه، وقيل لبشر بن الحارث: إنّ فلاناً الغني يصوم الدهر، فقال: المسكين ترك حاله ودخل في حال غيره، إنما حاله أن يطعم الجياع، ويكسو العراة، ويواسي المحتاجين؛ فهذا أفضل له من صيامه الدهر، ثم قال بشر: عبادة الغني كروضة على مزبلة، وعبادة الفقير كعقد الجوهر في جيد الحسناء، ودخل سفيان الثوري يوماً على أبي إسحاق الفزاري فقدم إليه قصعة فيها خبيص، فقل: لولا أني صائم لأكلت معك، فقال الفزاري: دخل عليّ أخوك إبراهيم بن أدهم فقعد في موضعك هذا فقدمت إليه خبيصاً في هذه القصعة فأكل، فلما أراد الانصراف قال: إني كنت صائمًا إلاّ إني أحببت أن آكل معك أسرّك بذلك، قال: فوضع الثور ي يده وجعل يأكل وتأدب بإبراهيم، وحدثونا عن سهل رحمه الله أنه سئل كيف كان في بدايته فأخبر بضروب من الرياضيات منها أنه كان يقتات ورق النبق مدة، ومنها أنه أكل دقاق التبن ثلاث سنين، ثم ذكر أنه اقتات ثلاثة دراهم في ثلاث سنين، قيل: وما هو؟ قال: كنت أشتري في كل سنة بدانقين تمراً وأربعة دوانق كسباً، ثم أعجنها عجنة ثم أجزئها ثلاثمائة وستين كبة أفطر في كل ليلة على كبة قال فقلت له فكيف أنت في وقتك هذا قال آكل بلا حدّ ولا توقيت.
وقد كان معروف الكرخي يهدي إليه طيّبات الطعام فيأكل فيقال له: إنّ أخاك بشرًا لا يأكل من هذا، فيقول: أخي بشر قبضه الورع وأنا بسطتني المعرفة، ثم قال: إنما أنا ضيف في دار مولاي إذا أطعمني أكلت، وإذا جوّعني صبرت، ما لي والاعتراض والتخّير؟ وقال