بعض إخوان بشر الحافي: دخلت عليه وهو يأكل فقال لي: كل، فقلت: إني صائم، فناولني كسرة وقال لي: كل، فأكلتها، فقال: سلمت من آفة الصوم وأدخلت عليّ السرور، وكان بشر رحمه الله قد أصبح ذات يوم صائماً فزاره فتح الموصلي، قال حسين المغازلي: فدفع إليّ كفّاً من دراهم فقال: اشتر لنا أطيب ما تجد من الطعام وأطيب ما تجد من الحلاوة وأطيب ما تجد من الطيب، قال: وما قال لي مثل ذلك قط، ففعلت فوضعت الطعام بين أيديهم فجعل يأكل معه وما رأيته أكل مع غيره، وكان بعض هذه الطائفة يقول: إذ أعطاك مولاك بقطعة فقد شهاك أن تشتري ما تشاء وتشتهي، وإن أعطاك مأكولاً بعينه فكل ذاك ولا تتخير سواه، ودفع إبراهيم بن أدهم إلى بعض أخوانه دراهم فقال: خذ لنا بهذه زبدًا وعسلاً وخبزاً حورانياً، فقلت: يا أبا إسحاق بهذا كله؟ فقال: ويحك إذا وجدنا أكلنا أكل الرجال، وإذا عدمنا صبرنا صبر الرجال، وأصلح ذات يوم طعامًا فأكثر ودعا نفرًا يسيرًا منهم الثوري والأوزاعي فقال له: أما تخاف أن يكون هذا إسرافًا؟ فقال: ليس في الطعام إسراف، إنما الإسراف في الأثاث واللباس، وهكذا حكي عن سيرة السلف، قال: كانوا في الرجال مخاصيب وكان في الزي والثياب تقصير، وفي الخبر أنّ رجلاً صنع طعامًا فدعا إليه بعض أخوانه فقال: إني صائم، فبلغ ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: صنع لك أخوك طعامًا فلم تأكل ألا أفطرت يومًا مكانه.
وحدثونا عن بعض العلماء أنه كان قاضيًا بصنعاء فدخل على أمير صنعاء فحضر وقت غدائه فعرض عليه الأكل فقال: إني صائم، فلما أخذ الأمير في الأكل وهو يحدثه إذ نظر القاضي فإذا قد جاؤوا بجمل مشوي، فجعل القاضي يزحف ويتقدم إلى المائدة، ثم مدّ يده يأكل، فقال له الأمير: ألم تقل إني صائم، فقال: أيها الأمير أنا على قضاء يوم أصومه أقدر مني على قضاء مثل هذا الجمل، وكان أبو سليمان الداراني يقول: لا تضرّ الشهوات من لم يتكلفها إنما تضرّ من حرص عليها، وكان يدعو أصحابه فيقدم إليه م الطيبات فيقولون له تنهانا عنها وتقدمها إلىنا؟ فال: لأني أعلم أنكم تشتهونها فتأكلونها عندي خيرًا، ولو جاءني من يزهد ما زدته على الملح شيئاً، وكان يقول: أكل الطيبات يورث الرضا عن الله تعالى، وقال بعض الخلفاء: شرب الماء بثلج يخلص الشكر لله تعالى وأوحى الله سبحانه إلى بعض أوليائه: أدرك لي لطف الفطنة وخفيّ اللطف فإني أحبّ ذلك، قال: ياربّ وما ألطف الفطنة؟ قال: إذا وقعت عليك ذبابة فاعلم أني أوقعتها فسلني حتى أدفعها، قال: وما خفيّ اللطف؟ قال: إذا أتاك فولة مسوسة فأعلم إني ذكرتك بها فاشكرني عليها وأوحي إلى بعض الأنبياء: لا تنظر إلى قلّة الهدية، وانظر إلى عظمة مهديها، ولا تنظر إلى صغر الخطيئة وانظر إلى كبرياء من واجهته بها؛ فإذا أصابك فقر وضرّ فلا تشكني إلى خلقي كما إذا صعدت مساوئك لم أشكك إلى ملائكتي.