إلى أخلاق الإيمان، وقد كان بعضهم يقول لأصحابه: لا تأكلوا الشهوات فإن أكلتموها فلا تطلبوها، فإن طلبتموها فلا تحبوها، وكانوا يقولون ما زاد على الخبز فهو شهوة حتى الملح، وقال بعضهم: الخبز من أكبر الشهوات واعلم أنّ مازاد على الخبز فهو فاكهة يتفكّه به.
وقد روينا عن ابن عمر أنه قال ما تأتينا من العراق فاكهة أحبّ إلينا من الخبز، فإن كان لابد من تفكّه بفاكهة مع الخبز الذي هو قوت النفس فكما أطعم الله عز وجلّ الفقراء في الكفّارة وهو التوسط في الأدام الذي أمر به وأحبه لفقرائه مثل الخبز واللبن، لأن أعلى الأدام اللحم والحلو، وأدناه الملح والخلّ، فلم يأمر سبحانه وتعالى بأعلاه لأن يشقّ على الأغنياء، ولم يأمر بالأدنى لأنه يشقّ على الفقراء، وتوسط الأمر بينهما، فقال عزّ من قائل: (مِنْ أوْسطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْليكُمْ) المائدة: 89 فهو ما ذكرناه، وعلى ذلك فإن ابتلى العبد كل الشهوات وحبّها فليظهر ذلك ولايخفيه وليشترها بنفسه ولا يسترها؛ فإن هذا من صدق الحال؛ وهو طريق السلف إن فاته المجاهدة في الأعمال فلا يفوتّنه الصدق في الحال، وإن لم يكن صديقًا فليصدق في كذبه؛ فإنّ الصدق في الكذب أحد الصدقين، وإن خفاء الكذب والنقص وإظهار ضده من الإخلاص والتمام هو كذبان لأنه نقص، وأظهر حال الكاملين واعتل وأبدى شعار المعصومين فكذب من طريقين، واستحق المقت من وجهين؛ فلذلك غضب الله عزّ وجلّ على المنافقين ومقتهم مقتين ثم لم يرض منهم إلاّ بتوبتين واشترط علهيم شرطين فقال تعالى: (إِنَّ المُناَفِقينَ في الدَّرْكِ الأَسْفَلِ منَ النَّارِ) النساء: 145 يعني أسفل من الكفّار؛ لأنّ الكافر أخلص في كفره فسوي بين باطنه وظاهره، والمنافق كفر وأشرك في إيمانه فخالف بين باطنه وظاهره واستخف بنظر الله عزّ وجلّ إلى قلبه وعظم عين المخلوق، فزاد اللّّه عزّ وجلّ في هوانه وشدد في توبه بما وكد من شرطه فقال تعالى: (إلاَّ الَّذين تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بالله وَأخْلصُوا دَيَنهُمْ للّّه) النساء: 146 الآية، وهذا الضرب من الرياء مما لا يمتحن به عالم بالله عزّ وجلّ ولا عاقل عن الله عزّ وجلّ ولله الحمد، وإن ابتلى بأكل الشهوات وببعض المعاصي، كما تجري الذنوب على العارفين، ولايبتلون برياء المخلوقين وليس للسلف في هذا الباب إلاّ طريقان؛ طريق هو المجاهدة للنفس وترك الشهوات، فمنهم من كان يخفيه لأنه أسلم له، ومنهم من كان يظهره لأنه مؤمن قوي نيته في ذلك القدوة والتأسي، وطريق آخر كان فيه طائفة من العلماء والعاملين وكانوا يأكلون الطيّبات ويتسعون في المآكل إذا وجدوها، إلاّ إنهم كانوا يظهرون ذلك ويكسفون نفوسهم به، فإن فاتك الطريق الأعلى فاسلك الطريق الأوسط الأسلم، فإما أن يكون عبدًا يأكل الشهوات في السرّ ويخفيها في العلانية، أو يظهر شعار