ضدها من الترك لها والزهد فيها؛ فليس هذا طريق الموقنين ولامسلك الصادقين هذا وقد عرج طريق المسالك وسلك سبيل المهالك فإياك أن تترك محجّة الطريق فتقع في حيرة المضيق.
حدثنا أنّ عابدًا من بني إسرائيل انتهى في سياحته إلى أرض لقوم رأى في وسطها طريقًا مستطرقًا يسلك فيه السابلة فقال: هذه أرض لقوم كيف أسلكها؟ وشقّ عليه أن يجاوز الأرض فيبعد عليه طريقه فتفكر وقال: هذا طريق مسلوك لا بأس عليّ أن أسلكه فسلكه، فلما خرج من تلك الأرض عوقب على ذلك ونسي ذنبه فجعل يستكشف فقيل له: لأنك سلكت إلى غير طريق ودخلت في حرث قوم بغير إذنهم، فقال: يارب معذرة إلىك إني رأيته قد جعل طريقًا فأوحى الله عزّ وجلّ إليه، وكلما اتخذ الظالمون طريقًا جعلته إليّ سبيلاً، فمن سلك طريق ظالم بغرور لم يكن في ذلك معذورًا وأوقعه في الحيرة والغرور فهلك وأهلك من اقتدى به؛ وهذا طريق متصنّع جاهل متطرف بذلك إلى الدنيا، متشوف عند الناس بترك الشهوات، مظلم التوحيد في الوجد، ضعيف اليقين في غيبة عن العيون، وقد كان من شأن الصادقين من السلف اشتراء الشهوات بأنفسهم وتعليقها في منازلهم يظهرون للناس شعار الراغبين وهم فيها عند الله عزّ وجلّ من الزاهدين، لا يأكلونها، إنمايريدون بذلك إسقاط منزلتهم من قلوب الجاهلين، وإخفاء حالهم عن الناظرين وليصرفوا عنهم قلوب الغافلين، يقطعون بذلك المقامات ويشترون به المعاملات، لأن هذا مقام من زهد في الأشياء وأخفى زهده، فمن نهاية إخفاء الزهد إظهار ضده واستشعار المزهود فيه، ثم لا يتناول ولايتمتع به فيكون هذا أشدّ على النفس من المجاهدة، لأنه حمل عليها ثقلين: ثقل المنع من الحظ وثقل سقوط المنزلة عنه، فعدمت النفس لذة المتعة به، وفقدت أسباب المنزلة بتركه فجرعها كأس الصبر مرتين؛ فهذا حال الصادقين في تلك الشهوات، وطريق الأقوياء من أهل الإرادات، وهو يشبه فعل الزاهدين في باب العطاء، إنّ منهم من كان يأخذ العطاء علانية ثم يخرجه سرّاً فيكون له في الأخذ سقوط الجاه بظهور الرغبة، ويكون له في الإخراج معاملة السر بحقيقة الزهد فلا هو متّع نفسه بالجاه مع الرّد ولا هو أنالها حظها بتناوله مع الأخذ، فهذا أشد شيء على النفس، وهو طريق علماء الزهد، ومن سلكه أخرجه إلى مقام الصدّيقين، وهذان طريقان قد درسا وقد عفا أثرهما في وقتنا هذا لا يسلكه إلاّ من عرفه الفرد بعد الفرد والسابلة من القرّاء على طرقات التصنع والتزين.
وروي عن جعفر الصادق رضوان الله عليه: إذا قدمت إليّ شهوة نظرت إلى نفسي، فإن أظهرت شهوتها لها أطعمتها منها، وكان ذلك أفضل من منعها، وإن أخفت شهوتها