ويقال إنّ الجوع ملك والشبع مملوك، إنّ الجائع عزيز والشبعان ذليل، وقيل: الجوع عزّ كله، والشبع ذلّ كله، وقال بعض السلف: الجوع مفتاح الآخرة وباب الزهد، والشبع مفتاح الدنيا وباب الرغبة.
وقد روينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنّ لكل شيء باباً، وباب العبادة الصوم، والخبر المشهور: صوموا تصحوا فصحة القلوب من علل الرؤوس أعلى وأحسن من صحة الأجسام من علل الأسقام.
وقد روينا عن عائشة رضي الله عنها قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: أديموا قرع باب الجنة يفتح لكم، قلت: وكيف نديم قرع باب الجنة يا رسول الله؟ قال: بالجوع والظمأ، وقد نوّع أبو سعيد الخراز مقامات أهل الجوع في مقاصدهم عن مواجيدهم وهممهم، فحدثني الجهضمي عن أحمد بن شاكر قال: سمعت أبا سعيد يقول: سمعت الثقة من علمائنا يقول عن عبد الواحد بن زيد: إنه كان يقسم بالله ما صافى أحد إلاّ بالجوع، ولا مشوا على الماء إلاّ بالجوع، ولا طويت لهم الأرض إلاّ بالجوع.
وكان يعد الأخلاق السنية الشريفة المحمودة ويحلف أنهم ما نالوها إلاّ بالجوع، قال أبو سعيد: معنى الجوع اسم معلق على الخلق افترقوا في الدخول فيه والعمل به لعلل كثيرة، فمنهم من يجوع ورعًا إذا لم يصب الشيء الصافي، ومنهم من وجد الشيء الصافي فتركه زهدًا فيه من مخافة طول الحساب والوقوف والسؤال، ومنهم من استلذ العبادة والنشاط بها والخفة فرأى النيل من الطعام والشراب قاطعاً له وشغلاً عن الخدمة والخلوة، ومنهم من قرب من الله عزّ وجلّ فلزم قلبه حقيقة الحياء حين علم أنّ الله تبارك وتعالى مشاهده، وكان الحياء مقامه لا غير، فتوهم أنّ الله تعالى يراه وهو يمضغ بين يديه ويأكل ويشرب فيؤديه ذلك إلى الكنيف فيجوع من هذه العين، وهكذا كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ومنهم من أدركه السهو عن حاجاته فسلا عن نيل مصلحتين حتى يذكر في الغيب أو يذكر.
وقال أبو سعيد الخراز أيضاً: قال جماعة من الحكماء: إنّ الله تعالى لا يكلم أحدًا، وفي بطنه شيء من الدنيا؛ فهذا يدل على أمره لموسى عليه السلام، يقول: النيل ليلقاه خالياً من الدنيا، وبنفس ساكنة عن المنازعة إلى شيء من الملك، وروح روحانية قد أحياها الحي لحياته فعند ذلك يصلح هذا الشخص لمخاطبته مثلاً بلا ترجمان.
وحدثني الحسن بن يحيى البستي عن ابن مسروق قال: لقيت سهل بن عبد الله، فلما