والبرودة، والرطوبة، واليبوسة، وكذلك منابت الأرض على هذه الطبائع فإذا أكثر من اختلاف منابتها أمالت الحرارة والبرودة من النبات غرائز الطبائع من الحرارة والبرودة من المعدة، وأمالت الرطوبة واليبوسة من النبات غرائز الطبائع من الرطوبة واليبوسة، فزاد بعض على بعض وقوي وصف على مثله فكانت الأمراض من مثل ذلك، لأن كل مأكول من نبات الأكل يعمل في وصف من معاني الجسم، وأنّ الحنطة مخالفة لسائر نبات الأرض المعتدلة في الطبائع الأربع كاعتدال الماء في سائر الأشربة، وقد شبّهوا لحم الدراج في خفته وقلة دهنه من سائر اللحوم بطبع الحنطة في سائر الحبوب.
وقال بعض الأطباء: كل من الخبز بحتًا ما شئت، فإن لا يضرّك، وقال غيره: أكل الخبز وحده خير من الأدم المردي، وقال بعضهم: لم يدخل الإنسان إلى معدته أنفع من الرمان، ولا أضرّ من المالح، ولأن يتقلل من المالح خير له من أن يستكثر من الرمان، وقد مثل الأترج من سائر الفاكهة على سائر المعدة في الطبائع الأربع، وقد شبه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المؤمن بالأترجة طعمها طيب وريحها طيب؛ فهذه لطيفة من اللطيف، وحكمة من الحكيم تعالى، إذا أراد صحة جسم عبد أوحى إلى المعدة أن يأخذ كل طبع منها ضده من نبات الأرض الذي وقع في المعدة، فيأخذ طبع الحرارة طبع البرودة، ويأخذ طبع الرطوبة طبع اليبوسة من المأكول، فتعتدل الطبائع، فاستوى المزاج فيكون ذلك سببًا لصحة الجسم من علله، فإذا أراد أسقام جسم أمر كل طبيعة أن تأخذ جنسها ومثلها من المأكولات من نبات الأرض مثله، فتضرب المزاجات، ثم يدور ذلك في الجسد بمجاري العروق ومصباته إلى الأعضاء المتفاوتة الأدوات، فتقع كل أداة في عضو ضدها فتثقل بها، ويغشي كل آلة من جارحة ما لا يلائمها من طبعها فيسقم الجسم وتتفاوت العلل، فيكون هذا سبب الأمراض والعوارض، نعوذ بالله ذلك تقدير العزيز العليم.
وقد روينا: أصل بنية الإنسان عن الله تعالى في صفة خلق آدم عليه السلام، حدثنا عن البراء قال: حدثنا عبد المنعم بن إدريس قال: حدثني أبي عن ابن منبه اليماني أنه وجد في التوراة صفة آدم عليه السلام حين خلقه الله عزّ وجلّ وابتدعه، فقال: إني خلقت آدم ركّبت جسده من أربعة أشياء، ثم جعلتها وراثة في ولده تنمي في أجسادهم، وينمون عليها ركّبت جسده من رطب ويابس وسخن وبارد، وذلك لأني خلقته من التراب، ورطوبته من الماء وحرارته من قبل النفس، وبرودته من قبل الروح، ثم جعلت في الروح بعد هذا الخلق الأول أربعة أنواع من الخلق هنّ ملاك الجسم بإذني وقوامه لا يقوم الجسم إلاّ بهن، ولا يقوم منهن واحدة إلاّ بأخرى منهن المرة السوداء والمرة الصفراء والدم والبلغم، ثم أسكت بعض هذا الخلق في بعض، فجعلت مسكن اليبوسة في المرة السوداء، ومسكن الرطوبة في المرة الصفراء، ومسكن الحرارة في الدم، ومسكن البرودة في البلغم، فأيما جسد اعتدلت فيه هذه الفطر الأربع التي جعلتها ملاكه وقوامه فكانت كل واحدة منهن ربعاً لا تزيد ولا تنقص، كملت صحته واعتدلت بنيته؛