شبعاً يكفي الأربعة قوتاً، ومنهم من قال: طعام المسلم يكفي مؤمنين، وطعام مسلمين يكفي أربعة من خصوص المؤمنين، ويجوز أيضًا أن يكون طعام الواحد من المنافقين يكفي مسلمين على معنى قوله: المؤمن يأكل في مِعًى واحد والمنافق في سبعة أمعاء، ويصلح أن يكون معناه طعام الواحد من الصناع المتصرفين في المعايش يكفي اثنين ممن هو قاعد لا يتصرف، ويصلح أيضاً طعام الواحد من المفطرين يكفي طعام صائمين من الخصوص، وفي خبر عمر رضي الله عنه حين قال لابن مسعود وأبي موسى في قصة المرتد الذي قتلاه قبل أن يستتيباه ويحكما: ألا طينتم عليه بيتًا وألقيتم إليه كل يوم رغيفًا ثلاثة أيام، فلعله أن يتوب ويرجع إلى الإسلام، اللهم إني لم آمر ولم أعلم ولم أرض إذ بلغني فدل هذا أنّ في كل رغيف كفاية يوم وثلاثة أرغفة عندنا بالحجاز رطل، لأن الرطل المكي عدد ستة أقراص مذ ذاك إلى يومنا، هذا فيكون كل رغيف ثمان أواق؛ فهذا كما قلناه: إنّ ثمانيَ أواق ثلث الشبع لقوله ثلث طعام بعد قوله لقيمات جمع لما دون العشرة، وهذا مواطئ لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يأكل سبع لقم، وحدثونا في أخبار الخلفاء أنّ الرشيد جمع أطباء: هندي، ورومي، وعراقي، وسوادي، فقال لهم: ليصف كل واحد منكم الدواء الذي لا داء فيه، فقال الهندي: الدواء الذي لا داء فيه عندي هو الاهليلج الأسود، وقال الرومي: الدواء الذي لا داء فيه حبّ الرشاد الأبيض، وقال العراقي: الدواء الذي لا داء فيه الماء الحار، فقال السوادي، وكان أعلمهم: إنّ الاهليلج يعفص المعدة وهذا داء، وإنّ حبّ الرشاد يرق المعدة وهذا داء، وإنّ الماء الحار يرخي المعدة وهذا داء، قالوا: فما عندك؟ قال: الدواء الذي لا داء فيه أن لا تأكل الطعام حتى تشتهيه وترفع يدك عنه وأنت تشتهيه، فقالوا: صدق.
وحدثني بعض العلماء قال: ذكرت لبعض الفلاسفة من أطباء أهل الكتاب قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثلث طعام، وثلث شراب، وثلث نفس، فتعجب منه واستحسنه وقال: ما سمعت كلامًا في قلّة الأكل أحكم من هذا وإنه لكلام حكيم، ثم قال: جهدت الأطباء من الفلاسفة أن يقولوا مثل هذا في التقلل من الأكل فلم يهتدوا إليه فأكثر ما قالوا: لا تقعد على طعامك حتى تشتهيه وترفع يدك عنه وأنت تشتهيه، ومنهم من قال: لا يأكل إلاّ بعد الجوع ويرفع قبل الشبع، ومنهم من قال: لا يأكل إلاّ بعد الجوع المفرط ولا يشبع شديداً، وإنما كان مراده هذا الذي ذكره نبيّكم، وقد كان بعض علمائنا يقول: من أكل خبز الحنطة بحتًا بأدب لم يعتلّ إلاّ علّة الموت، قيل له: وما الأدب قال: يأكل بعد الجوع، ويرفع قبل الشبع، والأصل في هذا أنّ العلل داخلة على الأجسام من اختلاف نبات الأرض، لأن المعدة مركبة على طبائع أربع: الحرارة،