وهو من فعل المترفين وقد كانوا يعدونه سرفًا.
وقد روينا عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان إذا تغدى لم يتعشَّ، وإذا تعشّى لم يتغدَّ، وكان السلف يأكلون في كل يوم أكلة، وقد روي أنّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعائشة رضي الله عنها: إياك والإسراف، فإن أكلتين في يوم من الإسراف، وقد قال الله عزّ وجلّ: (وَالّذينَ إذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلمْ يَقْتُرُوا) الفرقان: 67 فكأنّ أكلتين في يوم إسراف، وأكلة في يومين إقتار وأكلة في يوم قواماً بين ذلك، وأقول على هذا إنّ أكل أربعة أرغفة سرف، وزغيفين قتر، وثلاثة أرغفة قوام حسن؛ وهذا أعدل الأقوات ولا يعجبني أكل أربعة أرغفة في مقام واحد لأني لا آمن به ازديادًا فيصير ذلك مقتاً، وقد يروى في خبر الأكل على الشبع يورث البرص، وقال بعض السلف: إنّ من السرف أن يأكل العبد كلما يشتهيه، وقد كان للصحابة أكلتان وشربتان، فالأكلتان الوجبة والغبوق، فالوجبة من الوقت إلى الوقت، وكقولك الوقعة، ومنه قوله: فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها؛ أي إذا وقعت جنوب البدن على الأرض، والغبوق أن يشرب مذقه لبن، أو يأكل كفّ تمر عند النوم، أو بعد عتمة، أو يكون عند الظهيرة، وقد يكون ذلك سحرًا، والشربتان العلل والنهل، فالنهل الشربة الأولى من اللبن بمنزلة الوجبة، والعلل الشربة الثانية بمنزلة الغبوق من نقيع تمر أو زبيب يقوم مقام الأكلتين فهنّ تمام الري، والأولى علالة النفس من العطش فسمي عللاً، وكان من أخلاف السلف ترك الشبع اختيارًا لأنفسهم لخفة الجسم، أو مواساة الفقراء، أو مساواة لهم في الحال لئلا يفضل عليهم في حالهم؛ ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها: أوّل بدعة حدثت بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشبع، إن القوم لما شبعت بطونهم جمحت بهم نفوسهم إلى الدنيا.
وروينا في خبر: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجوع لا من عوز أي مختارًا له مع الإمكان في الأوقات، وقال بعض العلماء: أبغض الأشياء إلى الله عزّ وجلّ بطن مليء ولو من حلال.
وقد روينا معناه مسندًا وفي الخبر الإسرائيلي أنّ يحيى عليه السلام ظهر له إبليس فرأى عليه معاليق من ألوان الأصباغ من كل شيء، فقال له: ما هذه المعاليق؟ قال: شهوات بني آدم، قال: فهل لي فيها شيء؟ قال: ربما شبعت فثقلناك عن الصلاة وعن الذكر، قال: هل غير ذلك؟ قال: لا، قال لله تبارك وتعالى على أن لا أملا بطني من طعام أبداً، قال إبليس: ولله علي أن لا أنصح مسلماً أبداً، وقد كان من أخلاق التابعين الصبر على الطعم إلى أحد حدّي الجوع؛ الأول منها وهو أربعة وعشرون ساعة، ولم يكن من