طويلاً مرة وقصيرًا أخرى على حسب الحاجة وتوقان النفس إلى الغذاء، لاعلى طرد العادة والشهوة، والرغيف ستة وثلاثون لقمة يكون قوام النفس في كل ساعة ثلاث لقمات، فإذا أراد أن يأكل الرغيف على هذا التقسيم فليجرع بعد كل ثلاث لقم جرعة ماء، فذلك اثنا عشر جرعة في تضاعيف ستة وثلاثين لقمة، ففي ذلك قوام الجسم وصلاحه في كل يوم وليلة على هذا الترتيب.
وقد روينا في مجمل هذا أثرًا، كان أبوذر يقول: كان قوتي على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صاعًا في كل جمعة، واللّّه العظيم لا أزيد عليه حتى ألقاه؛ فهذا يكون في كل يوم رطل أو نحوه، والأصل في جمل ما ذكرناه من التنزل في القوت ما رويناه أنّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نظر إلى رجل سمين فأومأ إلى بطنه بأصبعه، فقال: لو كان هذا في غير ها كان خيراً لك؛ يعني لو قدمته لآخرتك وآثرت به إخوانك فكان في غير جوفك لكان ذلك خيراً لك، ويعني قلة الطعم خير من كثرته وتجشاً أبو جحيفة عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ثريد ولحم، قال: كنت أكلته، فقال: اكفف عنا جشاءك، فإن أكثركم شبعاً في الدنيا أطولكم جوعًا يوم القيامة، قال: فوالله ما ملأت بطني من طعام بعدها إلى يومي هذا، وأرجو أن يعصمني الله فيما بقي، وقد روينا عن الحسن عن أبي هريرة أنّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قال البسوا الصوف وشمروا وكلوا في إنصاف البطون تدخلوا في ملكوت السماء.
وروينا عن عيسى عليه السلام: أجيعوا أكبادكم وأعروا أجسادكم لعلّ قلوبكم ترى اللّّه عزّ وجلّ، وقد رواه عبد الرحمن بن يحيى الأسود عن طاوس رفعه إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: وقيل لأبي يزيد البسطامي وهو أعلى هذه الطائفة إشارة بأي شيء نلت هذه المعرفة؟ قال: ببطن جائع وجسد عارٍ، وفي التوراة مكتوب: أن الله تبارك وتعالى ليبغض الحبر السمين، وفي بعض الكتب: ويمقت أهل بيت لحمين، وقد جاءا مسندين إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من طريق، وقد روينا عن ابن مسعود أنّ الله عزّ وجلّ يبغض القارئ السمين، وفي خبر مرسل: أنّ الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع والعطش، فإذا جعل العبد شبعه بين جوعين كان جوعه أكثر من شبعه وسلم من حديث أبي خحيفة، ومن كانت له جوعة بعد كل شبعة اعتدل جوعه وشبعه، ومن أكل يوم في كل مرتين فقد تابع الشبع وتحقق بخبر أبي جحيفة وشبعه، حينئذ أكثر من جوعه؛ وليس ذلك من السنّة