وقته، وكل عمل فاضل للعبد فيه نية؛ فالعمل باطل ونيته هوى، وإنما وجد النية فيه القصور واختفاء لشهرته، فإن أراد به وجه الله تعالى سلم من عاقبته ولا فضيلة له به، وإن كان قد خفي عليه الهوى أو دق عليه لطيف حبّ الدنيا لجهله بالعلم فهو مأثوم فيه لتقصيره في طلب العلم الذي يعرف به الإخلاص وسكوته على الجهل الذي يدخل منه الانتقاص، ولا عذر له في ذلك، وقد جاء في الخبر: أنّ الله تعالى لا يعذر على الجهل ولا يحلّ للجاهل أن يسكت على جهله ولا للعالم أن يسكت عن علمه، وقد قال الله سبحانه تعالى: (فَاسْألُوا أهْلَ الذِّكْر إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) النحل: 43.

وقد كان سهل رحمه الله تعالى سئل: ما عصي الله تعالى بمعصية أعظم من الجهل؟ قال: نعم، قيل: ماهو؟ قال: الجهل بالجهل يعني أن يكون العبد جاهلاً وهو لا يعلم أنه جاهل، أو يحسب بجهله أنه عالم، فيسكت عن جهله ويرضى به فلا يتعلم فيضيع فرض الفرائض وأصل الفرائض كلها وهو طلب العلم، ولعله أن يفتي الجهل أو يتكلم بالشبهات وهو يظن أنه علم؛ فهذا أعظم من سكوته، وكذلك أيضاً ما أطيع اللّّه تعالى بمثل العلم، ومن العلم العلم بالعلم أي شيء هو؟ وذلك أيضًا واجب من حيث كان العلم واجباً ليكون على بصيرة من تعلّم العلم، لأنه قد دخل مذهب المتكلمين وأقوال الغالطين من الصوفية والقصاص في شبهات العلم، فصار زخرفًا من القول غروواً يشبه العلم وليس بعلم لالتباس المعنى بعضه ببعض ولإشكال دقائق العلوم وغرائبه وخفاء السنّة من طريقة علماء السلف، فاختلط لذلك القصاص والمتكلمون بالعلماء فصار معرفة العلم أي شيء هو والعلم بالعالم من هو علم آخر، وصار العالم بالعلم ما هو دون الزخرف من القول كأنه عالم فكان أيضًا العلم بالمعلم بمنزلة فضل العلم ووجب وجوبه، كما كان الجهل بالجهل أعظم من الجهل، وقد كان سهل رحمه الله تعالى يقول: قسوة القلب بالجهل من قسوته بالمعاصي لأن الجهل ظلمة لا ينفع البصر فيه شيئاً ونور العلم يهتدي به القاصد وإن لم يمش.

وقد قيل في تفسير وقوله تعالى: (وَبَدَا لَهُمْ مِنَ الله مَا لَمْ يَكُونُوا يََحْتَسِبُونَ) الزمر: 47 قال: عملوا أعمالاً لجهلهم ظنوا أنها حسنات فوجدوها سيئات وقيل: ذنوب غيرهم طرحت عليهم فعذبوا بها ولم يكونوا يحتسبون بها في الدنيا؛ يعني هذا مثل ما روي في الخبر: أنّ العبد ليرى من أعماله الحسنات مما يرجو به المنازل في الجنة فتلقى عليه سيّئات لم يعملها فترجح بحسناته كلها فيستوجب النار فيول: يارب هذه سيّئات ما عملتها هلكت بها، فيقول: هذه ذنوب القوم الذي اغتبتهم وآذيتهم وظلمتهم ألقيت عليك وتخلصوا منها، وقد روينا في معناه حديثًا مسندًا عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنّ العبد ليوافي القيامة بحسنات أمثال الجبال لو خلصت له دخل الجنة، ويأتي قد ظلم هذا وشتم هذا وضرب هذا فيقتص لهذا من حسناته ولهذا من حسناته حتى لا تبقى له حسنة، فتقول الملائكة: يا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015