ربنا قد فنيت حسناته وقد بقي طالبون كثير، فيقول الله تعالى: ألقوا عليه من سيّئاتهم ثم صكّوا له صكًّا إلى النار، وينبغي للعبد إن أراد أن يعمل عملاً أن يثبت له فيجدد له نية حسنة، ثم يقف وقفة فيتفقد هل يدخل عليه في ذلك آفة واحدة أو أكثر، فيخرج ما دخل عليه من الآفات بمشاهدة اليقين، ثم يعمل ذلك العمل للّّه وحده لا شريك له في قصده ووجده وطلبه وثوابه ثم يستقيم على ذلك العمل؛ فإن دخلت عليه آفة في خلله نفاها حتى يكون قائمًا بشهادته؛ فهذا هو الإخلاص لأن المخلص يحتاج في إخلاصه إلى شيئين ليس أحدهما أولى به من الآخر صحة القصد لوجه الله تعالى وطلبه ما عنده من الآخرة، ثم إخراج الآفات والحذر على ذلك العمل من دخولها عليه إلى فراغه منه، فبذلك يتم إخلاصه ويصفو من كدرة الهوى ويخلص من الشهوة الخفية فيكون خالصًا من الرياء بالإخلاص، صافيًا من الشهوة، يتفقد دخول الآفة، كما روي في الخبر: أخوف ما أخاف على أمتي الرياء والشهوة الخفية، قيل: حبّ الدنيا وقيل: العمل؛ لأنه يؤجر العبد ويحمد ثم إذا همّ العبد بعمل وقف قبله وقفة فتبدبره وتفكّر كم فيه من نية، فربما وجد في العمل الواحد عشر نيّات أو خمسًا وما بين ذلك لما يحتمل ذلك العمل من وجوه البرّ ومعاني القربات المندوب إليه ا، فيكون له بكل نية عمل، فيؤجر على العمل الواحد عشرة أجور لأنه عشرة أعمال أو خمسة، يكون لكل نية عمل وبكل عمل أجر؛ وهو من فضائل الأعمال وتضاعيف الحسنات، ولا يعلمه إلاّ العلماء بالله تعالى وأحكامه؛ وهو طريق الأبدال من صالحيّ أهل الأحوال؛ فبذلك زكت أعمالهم وارتفعت مقاماتهم وكثرت أجورهم وحسنت حالاتهم لا بكثرة الأعمال لكن بتحسينها ووجود النيات الكثيرة فيها، وقد جاء في الأثر: من عمل عملاً لا يريد به وجه الله لم يزل في مقت من الله حتى يفرغ، وقد قال بعض الأدباء: من لم يشكر لك حسن النية فيه لم يشكر لك حسن الصنيعة إليه وأنشدوا في معناه:
لأشكرنك معروفاً هممت به ... إن اهتمامك بالمعروف معروف
ولا ألومك إذا لم يمضه قدر ... فالشيء بالقدر المكتوب مصروف
ولو لم يكن في تجديد النية الحسنة وتفقد الهمة العالية إلاّ أنّ صاحبها لايزال عاملاً من عمال الله تعالى بقلبه وهمه، وإن لم يساعده القدر على الأفعال بجوارحه، فيكون أبداً مأجوراً، ولو لم يكن في نية الشر والهمة الدنية إلاّ أنّ صاحبها في بطالة وخسارة وإن لم يساعده المقدور على الأفعال السيئة بجوارحه فيكون خاسرًا أبدًا مأزورًا، ونعوذ بالله من ذلك،