حدثونا عن رجل رؤي بعد وفاته فسئل منه كيف رأيت أعمالك؟ فقال كل شيء عملته لله تعالى وجدته، حتى حبة رمان التقطتها من طريق، وحتى هرة ماتت لنا، رأيت ذلك كله في كفة الحسنات، قال: وكان في قلنسوتي خيط من حرير فرأيته في كفة السيّئات، قال: وكان قد نفق لي حمار قيمته مائة دينار فما رأيت له ثواباً، فقلت: موت سنور في الحسنات وهذا حمار قيمته مائة دينار ولا أدري له ثواباً؟ فقيل: إنه وجّه حيث بعثت به لأنك قلت لما قيل لك مات الحمار فقلت: في لعنة الله تعالى، أما بطل أجرك؟ ولو قلت في سبيل الله لوجدته في حسناتك.
وفي رواية أخرى قال: وتصدقت يوماً بصدقة بين الناس فأعجبني نظرهم إليّ فوجدته لا علي ولا لي، قال سفيان: وقد رووا هذا ما أحسن حاله حيث وجدها لا له ولا عليه قد أحسن إليه، ومن أوذي أو اغتيب فليحتسب عرضه عند الله تعالى، فلعل ذلك يكون سبيًا لنجاته، فقد روي أنّ العبد ليحاسب على أعماله كلها فتبطل بدخول الآفات فيها حتى يستوجب النار، ثم ينشر له أعمال من الحسنات لم يكن عملها فيستوجب به الجنة، فيعجب من ذلك فيقول: يارب هذه أعمال ما عملتها؟ فيقال: هي أعمال الذين اغتابوك وآذوك وظلموك جعلت حسناتهم لك، ولا تحقرن شيئًا من الأعمال وإن قل فتخليه من النية أو تصغره فربما كان هلاكه وعطبه فيه وهو لا يعلم، وقد روي ابن المبارك عن الحسن: أنّ الرجل ليتعلق بالرجل يوم القيامة فيقول: بيني وبينك الله تعالى: فيقول: والله ما أعرفك، فيقول: بلى أنت أخذت من حائطي تبنة وأنّ الرجل ليتعلق بالرجل يوم القيامة فيقول: هذا أخذ من ثوبي زبيرة، ومات حماد بن أبي سليمان وكان أحد علماء أهل الكوفة، فقيل للثوري: ألا تشهد جنازنه؟ فقال: لو كانت لي نية لفعلت، ومات الحسن البصري فلم يحضر ابن سيرين جنازته فسئل عن ذلك فقال: لم يكن لي نية، وقد كان العلماء إذا سئلوا عن عمل شيء أو سعي فيه يقولون: إن رزقنا الله نية فعلنا ذلك، وقال يحيى بن كثير: حسن النية في العمل أبلغ من العمل، وقال بعض السلف كانوا يستحبون أن يكون لهم في كل شيء نية، وقال الفضيل بن عياض: لا تتحدّث إلاّ بنية، وكان بعضهم يقول: الخوف على فساد النية وتغيرها أشد من ترك الأعمال، وقال الثوري: من دعا رجلاً إلى طعامه وليس له نية في أن يأكل فإن أجابه فأكل فعليه وزران، وإن لم يجبه فعليه وزر واحد فصيّر عليه وزرين مع أكل طعامه بغير نية، لتعرضه للمقت وحمله أخاه على ما يكره، إذ لو علم لما أجابه، فمن أفهمه الله تعالى إخلاص النية وزاده معرفة الإخلاص أخرجه ذلك إلى الهرب من الناس ليخلص له معاملته لأنه ينظر بعين اليقين، وإذا لا ينفعه شيء إلاّ شيء بينه وبين الله عزّ وجلّ لا شرك فيه لسواه؛ وهذا المعنى هو الذي أخرج طائفة الأبدال إلى الكهوف تخليًا من أبناء الدنيا لخلاص أعمالهم إلى النظر إليهم، فهم وإن فارقوا فضائل الأعمال