والرحمة تسعهم، وباب التوبة مفتوح للكافة إلى طلوع الشمس من مغربها، وكل عبد توبته متقبلة ما لم تبلغ الروح الحلقوم ولم يعاين الملائكة فإذا بلغت الروح التراقي وعاينت الأملاك غلق عليه باب التوبة ومات على الإصرار، وقيل: من راق أي من يرقى بروحه ملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب؟ وظن أنه الفراق أيقن أنه قد فارق الدنيا بمعاينة الآخرة وفارق الناس والأهل بمعاينة الملائكة، فإن مات عن غير توبة كان ممن قال الله عزّ وجلّ: (وَحيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ) سبأ: 54 قيل: التوبة كما فعل بأشياعهم من قبل.
ولما قال تعالى: (وََلَيْسَتِ التَّوْبةُ لِلَّدينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئات حتّى إذا حضرأحَدَهُمُ المَوْتُ قَالَ إنّى تُبْتُ الآن) النساء: 18 وحضور الموت يكون عند معاينة ملك الموت إذا خرجت الروح من جميع الجسم فلم يبق إلاّ ما بين القلب والعينين فهو الوقت الذي قال الله عزّ وجلة: (يَوْمَ يَرَوْنَ المَلائِكَةَ لا بُشْرى يَومَئِذٍ لِلمُجْرِمينَ) الفرقان: 22 وهو الذي خوف منه في قوله تعالى: (هَلْ يَنْظُرُونَ إلاّ أنْ تأتيَهُمُ المَلائِكَةُ) الأنعام: 158 يعني عند الموت؛ وهذا لأهل المعاينة أو يأتي ربك، يعني يوم القيامة؛ وهذا لأهل البرزخ يوم يأتي بعض آيات ربك وهو اليأس الذي يقع عنده من الدنيا؛ اليأس من طلوع الشمس من مغربها وهو آخر التوبة ويؤمن معه كل كافر، فقال سبحانه: (يَوْمَ يَأْت بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إيمَانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ منْ قَبْلُ) الأنعام: 158 أي من قبل المعاينة: (أَوْ كَسَبَتْ فِي إيمَانِهَا خَيْرًا) الأنعام: 158 قيل التوبة، وهوالوقت الذي قال اللّّه تعالى: (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا) غافر: 84 يعني كشف الغطاء قالوا: آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنّة الله التي قد خلت في عباده يعني طريقته وشأنه الذي مضى في الخلق لا تبديل له ولن تجد لسنّة الله تبديلاً، وحكم العباد كلهم في المعاد إلى الله عزّ وجلّ إن عذبهم فبما اكتسبوا، ويعفو عن كثير، وإن شاء أن يغفر لهم وهو الغفور الرحيم، وقد يتفاوت الناس في جميع ما ذكرناه من أداء الفرائض ومن ارتكاب المعاصي والعرف، والتخلق بأخلاق النفس من عادات أبناء الدنيا وعرف معاشرتهم فيما بينهم؛ فإنّ ذلك حال الغافلين ومقام الجاهلين غير محمود العاقبة، ولامغبوط الخاتمة، ولا يترك العمل الصالح أيضاً خشية دخول الآفة، ولايدعه إن كان داخلاً فيه لما يعتريه فيه؛ ذلك بغية عدّوه منه لكن يكون على نيته الأولى من جهة القصد، فإن دخلت عليه علّة وضع عليها دواءها فعمل في نفيها وإزالتها وثبت على حسن نيته وصالح معاملته، ولا يدع عملاً لأجل الخلق حياء منهم وكراهة واعتقادهم فضله، لأن العمل لأجل