عبد من النار بعد أن دخلها حتى يقيم فيها سبعة آلاف سنة، وهذا والله أعلم آخر من يخرج من النار لأنهم يخرجون زمراً متفاوتون من اليوم والجمعة والشهر والسنّة إلى ستة آلاف سنة فأكثرهم إيماناً أقلهم مقاماً وأقلهم مكثاً أولهم خروجاً، أما أول زمرة تخرج من في قلبه مثقال من الإيمان فهذا أقلهم لبثًا وأسرعهم خروجًا إلى شعيرة إلى ذرة؛ فهؤلاء أقلهم إيماناً وأنقصهم توحيداً وأعظمهم جرماً وأشدّهم على الله عتياً وهم أكثرهم مقاماً وقد اشتهر خبر من يخرج من النار بعد ألف عام ينادي: ياحنّان يا منّان، فقال الحسن لما روى هذا الحديث يا ليتني كنت ذلك الرجل لشدة خوفه خاف أن يدخلها ثم عظم خوفه فخاف أن لا يخرج منها فتمنى أن يخرج منها بعد ألف عام.
وقد جاء في الخبر: آخر من يخرج من النار وهو أيضاً آخر من يدخل الجنة، فلعله والله أعلم بعد سبعة آلاف سنة فيعطى من الجنة مثل الدنيا كلها عشرة أضعاف، رواه أبو سعيد وأبو هريرة رضي الله تعالى عنهم عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ومعنى الحكمة في إدخال البشر إلى النار على ترتيب الكون أنهم خلقوا من ماء ثم خالطه ما امتزج به من الأهواء فلا يستخرج ذلك إلاّ بالنار، فإنها تخرج الماء مما مازجه حتى يخلص، وأنهم أيضاً خلقوا من تراب الأرض بمنزلة الخشب المعوجّ يقوم بالنار حتى يستقيم، ثم يقطع عنه النار ويستقيم ذلك فعندها يصلح لغير النار وموضع الحكمة في تخليد الكافرين والشياطين في النار أنّ أرواحهم خلقت من جوهر النار فرجعت إلى معدنها، وهي أيضاً سوداء مظلمة نارية، وهم أيضاً خلقوا لها لا يصلحون لغيرها بمنزلة الحطب والشوك والحراق الذي لا يصلح إلاّ للنار، فتبارك الله تعالى حكمته معتدلة في الأشياء وحكمه غامض فيها، ينظر بعين التعديل فيقسم بها المقادير بمعاني التنقيص والتفضيل، ومجمل ما ذكرناه أنّ كل وصف يكون للعبد من الخير كفر عنه سيّئاته، فإن نوافله ساقطة وكل وصف يكون له من الشرّ لا يحبط نوافله، فإن نوافله موفرة ثابتة ومن كان عاملاً للحسنات وهو في ذلك يرتكب بعض الكبائر فإن أعمال برّه وفضائله موقوفة إلى التوبة، فإن تاب واستقام كفرت توبته ما سلف من كبائره وبدلت استقامته على الطاعة سيّئاته حسنات، وأكثر ما يوبق الناس من الكبائر المظالم، وأكثر ما يدخلهم النار ذنوب غيرهم إذا طرحت عليهم وكثير يدخلون الجنة بحسنات غيرهم إذا طرحت عليهم لأنها صحيحة ثابتة، وقد تبطل حسناتهم لدخول الآفات عليها، بلغني عن أبي عبد الله بن الجلاء أنّ بعض إخوانه اغتابه ثم أرسل إليه ليستحلّه فقال: لا أفعل، ليس في صحيفتي حسنة أفضل من حسناته، أريد أن أزين صحيفتي بها، وفي الحديث: ذنب يغفر وذنب لا يترك؛ فالذنب الذي يغفر ظلمك نفسك، والذنب الذي لا يترك مظالم العباد؛ والتوبة طريق الكل،