فعفا عنه سقط عنه هذا كله وأدخل الجنة في أصحاب اليمين؛ وهذا هو المقصد المتوسط بين الظالم لنفسه والسابق إلى ربه، فإن لم يكن له نوافل مع نقصان فرائضه لم يبق له من أعماله إلاّ اجتناب الكبائر فيوزن ما بقي من عمله وهو اجتنابه الكبائر بفرائضه النواقص، فإن رحج اجتناب الكبائر مثقال ذرة أو فضلت له حسنة واحدة، ضاعفها الله تعالى بالمزيد وتجاوز عن سيّئاته في أصحاب الجنة ولم تكن له مقامات المقربين ولا درجات السابقين وهو ممن قال الله سبحانه وتعالى: (إنَّ الله لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ منْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا) النساء: 40، يعني الجنة وإن خف أضاعته الفرائض لسنّته كان من الموقنين للحساب الطويل واحتاج إلى شفاعة الشافعين، فإن كان فرائضه الخمس ناقصة، وكان مرتكباً للكبائر فهو من الهالكين، لأنه ممن خفت موازينه من المؤمنين، وهذا من المسرفين هم أصحاب النار، فيدخل النار لنقص إسلامه ولوفور سيّئاته عليه إذ لم تمحها حسناته ولتطول نوافله بانتهاكه الكبائر، ولأن هذا نقص من مثقال دينار إلاّ أنه لا يكون من المخلدين لصحة توحيده، وعلى أنه أول من يخرج من النار من كان في قلبه مثقال دينارمن إيمان فهو في أول طبقة يخرج هذا إلى زنة شعيرة إلى ذرة من إيمان؛ وهؤلاء آخر الطبقات خروجًا إلى أن يبدو لبعضهم من الله تعالى ما لا يحتسبه ويظهر له غدًا ما لا يعلمه، فيعفي عن البعض ولا يجعل ممن حق عليه الوعيد لما سبق له من الكلمة الحسنى، ويتجاوز عن سيّئاتهم في أصحاب الجنة.
وقد جاء في الخبر: يؤتى بالرجل من هذه الأمة فيسدّ به ركن من أركان جهنم، وقد جاء في الخبر: أنّ العبد ليوقف بين يدي الله عزّ وجلّ وله من الحسنات أمثال الجبال لو سلمت له لكان من أهل الجنة، فيقوم أصحاب المظالم فيوجد قد سبّ عرض هذا، وأكل مال هذا، وضرب هذا، فيقص من حسناته حتى لا تبقى له حسنة، فيقول الملائكة: يا ربنا قد فنيت حسناته، وبقي طالبون كثير، فيقال: ألقوا من سيّئاتهم على سيّئاته وصكّوا له صكًّا إلى النار، وقد جاء في العلم أنّ آخر من يبقى في جهنم من الموحدين سبعة آلاف سنة.
وروينا عن أبي سعيد الخدري وغيره من الصحابة: وفيه شدة، وقال: والله لا يخرج