عند باب الحجرة لاخترت الموت على الشهادة، قيل: ولِمَ؟ قال: لأني لا أدري ما يعرض لقلبي من التغير عن التوحيد من باب الحجرة إلى باب الدار، وقال أبو سليمان الداراني: سمعت فلاناً - يعني بعض الأمراء - يتكلم على المنبر بكلام أردت أن أقوم فأنكر عليه فخشيت أن يأمر بقتلي، فلم يكن بي أن أموت ولكن خشيت أن يعرض لقلبي التزين للخلق بأني أمرت بالمعروف على الإمام وقتلت في الله عزّ وجلّ عند خروج روحي فكففت عن ذلك.
وقال بعض العارفين: لو عرفت أحداً على التوحيد خمسين سنة ثم حالت بيني وبينه سارية ثم مات، لم أحكم أنه مات على التوحيد لعلمي بسرعة تقليب القلوب، وقال منصور بن زاد: إن كان الرجل من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سئل قال: أنا مؤمن إن شاء الله، وقال أبو وائل: قال رجل لابن مسعود: لقيت ركباً فقالوا: نحن المؤمنون فقال: ألا قالوا نحن من أهل الجنة؟ وقال بعض أصحاب عبد الله لرجل: أمؤمن أنت؟ قال: نعم، فذكر ذلك لابن مسعود فقال: سلوه أمن أهل الجنة أنت؟ فقال: أرجو، فقال: ألا رجيت الأولى كما رجيت الثانية، ونقش ابن لبعض التابعين على خاتمه: فلان لا يشرك بالله تعالى شيئاً فقال أبوه: هذا أقبح من الشرك.
وقال بعض السلف: أقرب الناس من النفاق من يرى أنه أبعدهم منه عند نفسه، وفي الخبر: أنّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان جالساً في جماعة من أصحابه فذكروا رجلاً ومدحوه وأحسنوا الثناء عليه، فبيناهم كذلك إذ طلع عليهم الرجل يقطر وجهه ماء من أثر الوضوء قد علق نعليه بيديه وبين عينيه أثر السجود فقالوا: يا رسول الله هذا هو الرجل الذي وصفنا لك آنفاً، فلما نظر إليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أرى على وجهه سفعة من الشيطان، يعني ظلمة، فجاء الرجل حتى سلم وجلس مع القوم فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نشدتك الله هل حدثت نفسك حين أشرفت على القوم أنه ليس فيهم خير منك؟ فقال: اللهم نعم، في الحديث: من قال إني مؤمن فهو كافر، ومن قال إني عالم فهو جاهل، ومن قال إني في الجنة فهو في النار، وعلّم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا بكر الصديق رضي الله تعالى دعاء قال: قل فيه: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم، وجاء في الخبر: الشرك