أي من تحقّقه بالإسلام ومن أعلى إسلامه؛ هذا الوصف، وهذا هو نعت المؤمن الموقن الزاهد وهذا يشبه ما مثله أبو جعفر محمد بن علي في أنه أدار دائرة كبيرة وأدار فيها دارة صغيرة تخصيصاً، وجميع ما شرحناه وذكرناه عن السلف يبطل قول المرجئة والكرامية الإباضية ويدحض دعواهم، في أنّ الإيمان قول أو معرفة وعقد بلا عمل، وهو أيضاً ردّ على المعتزلة القائلين بالمنزلة بين المنزلتين، الذين يقولون: مؤمن، وفاسق، وكافر؛ فلا يجعلون الفاسق مؤمناً وهو ردّ على الحشبية والجرمية والقطعية والحرورية، أصناف من الخوارج يقولون: من أتى كبيرة خرج من الإيمان، وأن أهل الكبائر كفّار يحلّ قتلهم، ويقولون إنّ أهل البغي من الأئمة كفرة يجب على الرعية قتالهم، ومنهم من يقول: إنّ من بغى على الإمام فقد كفر بخلاف قول الله تعالى: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما، فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله) الحجرات: 9، فأمر بقتال أهل البغي بتسميته إياهم مؤمنين ولم يجعل لهم منزلة ثالثة، وقد ابتلينا بطائقتين مبتدعتين متضادتين في المقالة المرجئة والمعتزلة، قال المرجئة: إنّ الموحدين لا يدخلون النار، وإن عملوا بالكبائر والفسوق كله لأن ذلك لا ينقص إيمانهم، وقالت المعتزلة: إن ليس الفاسق بمؤمن وإن مات على صغيرة من الصغائر من غير توبة دخل النار لا محالة ولم يخرج منها خالداً من الكفار، والصواب من ذلك أنّ الفاسق مؤمن لا يخرجه فسقه من اسم الاسمان وحكمه، ولكن لا يدخله في المؤمنين حقّاً من الصديقين والشهداء، وأنّ أهل الكبائر قد استوجبوا الوعيد ودخول النار، وجائز أن يعفو الله تعالى عنهم بكرمه ويسمح لهم بجوده، كما روينا عن عليّ أنه قال: عليكم بالنمط الأوسط الذي يرجع إليه الغالي ويرتفع عنه القالي.
وقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في وصف علماء السنة ومدحهم: يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين؛ فالغالون هم المجاوزون للسنن والآثار، والمبطلون هم المدعون بالرأي والقياس، والجاهلون هم الشاطحون من المتصوّفة الضلال، وعدول كل خلق من اتبّع سنّة صالح من سلف، ولم يبتدع في الدين، ولا اتخد وليجة دون طريق المؤمنين؛ وهم رواة الأخبار وجملة الآثار من المحدثين وفقهاء المسلمين، ويوضح قولنا ويصححه قول الله تعالى: (الْيَومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دينَكُمْ) المائدة: 3، إجماعاً من المسلمين، وأنها نزلت بعد نزول الفرائض وإتمام الشرائع وفي حجة الوداع؛