والورع، إذ الأمة مجمعة أنّ أهل الكبائر ليسوا بكافرين، وإذا فسق بالزنا وشرب الخمر خرج من حقيقة الإيمان، هو الخوف والورع، ولم يخرج من اسمه ومعناه؛ وهو التصديق والتزام الشريعة، وفيه معنى لطيف كأنه يرتفع عنه إيمان الحياء، لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: الحياء من الإيمان، والمستحي لا يكشف عورته على حرام، ويبقى إيمان الإسلام والتوحيد وإيجاب الأحكام، وقد روينا عن الحسن بيان ذلك أنه قال: الإيمان حقيقة الإسلام، وقيل لحذيفة: من المنافق؟ فقال: الذي يتكلّم بالإسلام ولا يعمل به فسمِي علم الإيمان إسلاماً وقرن القول، بالعمل وقال الثوري رحمه الله: الناس عندنا مؤمنون مسلمون في حدودهم، وفرائضهم، وفي النكاح، وفي المواريث، وفي الصلاة خلفهم، والصلاة عليهم، لا يحاسب الأحياء ولا يقضي على الأموات، ونكل ما لم نعلم من سرائرهم إلى الله تعالى، ونسمع بالتشديد فنخافه ونسمع اللين فنرجوه لأهل القبلة، ونتهم رأينا لرأي السلف قبلنا، وما ذكرناه من أنّ الإسلام والإيمان قرينان لا يفترقان؛ هذا مذهب فقهاء أصحاب الحديث وطريقة أئمة السلف رضي الله عنهم أجمعين.
باب ذكر تفضيل بيان ما نقل عن المحدثين من التفرقة بينهما وما جاء في معناه
فأما ما حكي عن بعض أصحاب الحديث، أنه فرّق بين الإيمان والإسلام فقال الزهري: الإسلام الكلمة، والإيمان العمل، وقال عبد الرحمن بن مهدي وقد سئل عن الإيمان والإسلام فقال: هما شيئان، وقال حمّاد بن زيد: الإسلام عام، والإيمان خاص، فإن قول هؤلاء على جملة قولنا، وهو دليل له وشاهد عليه، وأنهم لم يفرّقوا بين الإيمان والإسلام تفرقة اختلاف ولا تضادّ، ولم يريدوا أنّ أحدهما يوجد ويصحّ بعدم الآخر ليواطئوا مذهب المرجئة، لأنهم أبعد شيء منهم، إذ هم أصحاب أثر وتوقيف، وإنما فرّقوا بينهما تفريق تفاوت وتخصيص؛ أي أنّ الإيمان أخصّ وأعلى، لأن الزيادة والنقصان فيه، والفضائل والمقامات عنه، والإستثناء واجب فيه، وأنّ الاسلام عام لا يخرج منه إلاّ الكافرون، إذ ليس وراءه شيء، وعند جماعة من العلماء أنّ الإستثناء غير واجب في الإسلام، لأنه محدود معلوم، فهذا كان قصد من فرّق بين الإسلام والإيمان، وهي طريقة بعض السلف، وعبارة القدماء؛ وهو على نحو ما فصلناه وبمعنى ما بيناه، وإن كنا نحن أظهر تفصيلاً وأبين ترتيباً، وهذا مثل الخبر الذي روي أنّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل: أي الإيمان أفضل؟ قال: الإسلام قيل: فأي الإسلام خير؟ قال الإيمان، فلم يفّرق بينهما، ولكنه خصّص فجعل الإيمان حقيقة الإسلام وخالصه لأنه أخبر أنه منه فهذا من قوله: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه،