الوصف الأنقص والحال الأدنى فافهم.
وأما قوله تعالى: (قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا) الحجرات: 14، فإن هذا أيضاً من هذا النوع معناه: قولوا: استسلمنا حذر القتل؛ وهؤلاء ضعفاء المؤلفة وأراذلهم كانوا ينقمون على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيثاره وتقديمه المؤمنين بالعطاء عليهم، وإرجاءه إياهم فقالوا: لم لا يعطينا كما يعطي المؤمنين؟ فإنّا مؤمنون كهم، فأخبر الله تعالى بذلك عنهم وأكذبهم في دعواهم وهم الذين قصّ الله تعالى أخبارهم في قوله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ في الصَّدَقاَتِ فَإِنْ أُعطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إذَا هُمْ يَسْخَطُون) التوبة: 58، ففي هذه الآية دليل على أنّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن يعطي هذا الضرب من المؤلفة، وليس في الآية تفرقة بين الإيمان والإسلام بدليل قوله تعالى في الآية التي بعدها: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لاَ تَمُنُّوا عَليَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ الله يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ للإيمَانِ) الجرات: 17، فسمّى إسلامهم إيماناً لأنه عطف ببعض الكلام على بعض، وردّ أوله إلى آخره، وإنما أسقط المنة به على رسوله، وأثبت المنّ عليهم بنفسه، وعطف بآخر الإسم على أوله، وغاير بين اللفظين، فلم يرد أحدهما على الآخر، فيقول: أن هداكم للإسلام لاتساع لسان العرب وليفيدنا فضل بيان، وإنّ الإسلام والإيمان اسمان بمعنى واحد، كما قال تعالى: (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ الله يَرْزُقُكُمْ) فاطر: 3، ولم يقل: يخلقكم، ليبيّن أنّ الرازق هو الخالق وليفيد وصفاً ثانياً وصف به نفسه تعالى فهو كقوله تعالى: (فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فيهَا مِنَ المٌُؤْمِنينَ ففَمَا وَجَدْنَا فيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ المُسْلِمينَ) الذاريات: 35 - 36، وهكذا قراءتها في مصحف ابن مسعود قال: سبحانك تبت إليك، وأنا أول المسلمين، فلولا أنهما بمعنى لم يجز أن يقرأا بخلاف المعنى، فأما ما روي عن أبي جعفر بن عليّ: الإيمان مقصور في الإسلام؛ فمعناه هو باطنه، قال: وأدار دائرة كبيرة فقال: هذا الإسلام، ثم، أدار في وسطها دارة صغيرة فقال: وهذا الإيمان في الإسلام، فإذا فعل وفعل خرج من الإيمان وصار في الإسلام، يريد أنه خرج من حقيقة الإيمان وكماله ولم يكن من الموصوفين الممدوحين بالخوف والورع من المؤمنين، لأنه خرج من الإسم والمعنى حتى لا يكون مؤمناً بالله مصدقاً برسله وكتبه، ألا ترى إلى الدارة الصغيرة غير خارجة من الدارة الكبيرة التي أدارها حولها فجعلها فيها وضرب المثل بها، لكنها خالصها وليها ومخصومة فيها، ولو أراد أنه يخرج من الإيمان لجعلها دائرتين منفردتين ولم يجعل إحداهما جوف الأخرى، وكذلك جاء الخبر: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخر وهو مؤمن، معناه كامل الإيمان أو مؤمن حقّاً، لأن حقيقة الإيمان وكماله بالخوف