أو من فيه غنى للمسليمن ومنفعة وعزة للمسلمين، فأما الأتباع والسفلة من المؤلفة فلم يكن يؤثرهم بالعطاء، بل كان يؤثر المؤمنين، يقدّمهم على أراذل المؤلفة وضعفائهم، كما فعل بالقسم الذي قسمه بين المؤمنين فأعطاهم، إلا رجلاً من الغزاة له سجادة محلوق الرأس فإنه لم يعطه وقال: إن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله تعالى، والله ما عدل فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن لم أعدل فمن يعدل؟ وكان ذلك أول قرن نبغ من الخوارج، أفلا تراه لم يعط هذا شيئاً ولم يستمله لأنه لم يكن من خصوص المؤمنين، ولا ممن يتقي بأسه أو يظهر في الإسلام غناه فيتألف بالعطاء؛ وهذا مثل قول فرعون حين ألجمه الله الغرق فاضطره إلى الإسلام بقوله: آمنت أنه لا إله إلاّ الذي آمنت به بنو إسرائيل، وأنا من المسلمين، أجمع أهل التفسير أنّ معناه من المستسلمين فإن قيل، فقد روي في آخر هذا الخبر في بعض الروايات ما يدل على ضدّ هذا التأويل، وأنّ الرجل كان فاضلاً لا أنه كان مستسلماً، وهو أنّ في الحديث أنّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إني لأعطي قوماً وأمنع آخرين أكلهم إلى ما جعل الله تعالى في قلوبهم من الإيمان: منهم فلان، قيل: إنّ هذا كلام مستأنف من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفاده القائل لأنه بعث بجوامع الكلم، وكان يسأل عن الشيء فيخبر به ويزيد عليه للبيان والهداية الذي أعطي فكأنه أراد أن يخبر بتنويع عطائه وبضروب المعطين من الناس؛ هذا للحاجة، وهذا للفضل، وهذا للتآلف؛ لأن الذي منعه كان أفضل من الذي أعطاه، إذ لو كان الأمر كما قال هذا القائل لكان الإسلام أفضل من الإيمان، ولكان المسلمون أفضل من المؤمنين، ولم يقل بهذا أحد من العلماء، إلاّ أنّ الإيمان خاص فيه التفاوت والمقامات؛ فهو يشتمل على الإسلام، والإسلام داخل فيه، والمؤمنين هم خصوص المسلمين، منهم المقربون والصديقون والشهداء، والإسلام عام محدود يوصف به عموم المؤمنين، ويدخل فيه أهل الكبائر والإجرام، ولا يخرج منه من فارق الكفر ووقع عليه اسم الإيمان، كما قال تعالى: (فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ الكَذِب) آل عمران: 94 وأخبر عنه بالفسوق، (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إَِلَى الإِسْلاَمِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمً الظَّالِمينَ) الصف: 7، فعلى إجماعهم أنّ الإيمان أعلى اسقاط وهم من توهّم أنّ الرجل كان أفضل، كيف وقد روينا تخصيص الإيمان عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نصّاً أنه سئل: أي الأعمال أفضل؟ قال: الإسلام، قيل: فأي الإسلام أفضل؟ قال: الإيمان، فجعل الإيمان مقاماً في الإسلام، ففي هذا الحديث أيضاً تخصيص للإيمان على الإسلام لا تفرقة بينهما، بمعنى قوله في وصف الرجل أو مسلم، وقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في وصف الرجل: أو مسلم، فدلّ على بطلان ما ناوله القائل لأن هذه اللفظة بألف الإستفهام لا تستعمل في عرف الكلام إلاّ في