وشكا بعض المريدين إلى أستاذه طول سهره بالليل وأن السهر قد أضر به ثم قال: أخبرني بشيء أجتلب به النوم، فقال له أستاذه: يا بني أن لله نفحات في الليل والنهار تصيب القلوب المتيقظة وتخطئ بالقلوب النائمة فتعرض لتلك النفحات ففيها الخيرة، فقال: يا أستاذ تركتني لا أنام بالليل ولا بالنهار، وتذاكر قوم قصر الليل عليهم فقال بعضهم: أما أنا فإن الليل يزورني قائماً ثم ينصرف قبل أن جلس، وقال علي بن بكار منذ أربعين سنة ما أحزنني شيء إلا طلوع الفجر وقال الفضيل بن عياض: إذا غربت الشمس فرحت بدخول الظلام لخلوتي فيه بربي، فإذا طلع الفجر حزنت لدخول الناس علي، وقال أبو سليمان: أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم، ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا، وقال أيضاً: لو عوض الله عزّ وجلّ أهل الليل من ثواب أعمالهم ما يجدونه في قلوبهم من اللذة لكان ذلك أكبر من أعمالهم وقال بعض العلماء: ليس في الدنيا وقت يشبه نعيم أهل الجنة إلا ما يجده أهل التملّق في قلوبهم بالليل من حلاوة المناجاة، وقال بعضهم: قيام الليل والتملّق للحبيب والمناجاة للقريب في الدنيا ليس من الدنيا هو من الجنة أظهر لأهل الله تعالى في الدنيا، لا يعرفه إلا هم، ولا يجده سواهم روحاً لقلوبهم، وقال عتبة الغلام: كابدت الليل عشرين سنة، ثم تنعمت به عشرين سنة وقال يوسف بن أسباط: قيام ليلة أسهل علي من عمل قفة وكان يعمل كل يوم عشر قفاف، وقال غيره: ما رأيت أعجب من الليل إذا اضطربت تحته غلبك، وإن ثبت له لم يقف، وبكى عامر بن عبد الله حين حضرته الوفاة فقيل له ذلك فقال: والله ما أبكي حباً للبقاء ولكن ذكرت ظمأ الهواجر في الصيف وقيام الليل في الشتاء، وقال ابن المنكدر: ما بقي من لذات الدنيا إلا ثلاث: قيام الليل، ولقاء الإخوان، والصلاة في جماعة، وقال بعض العارفين: إن الله عزّ وجلّ ينظر بالأسحار إلى قلوب المتيقظين فيملؤها أنواراً فترد الفوائد على قلوبهم فتستنير ثم تنشر من قلوبهم العوافي إلى قلوب الغافلين.
وقال بعض العلماء: إن الله عزّ وجلّ ينظر إلى الجنان عند السحر نظرة فتشرق وتضيء وتهتز وتربو وتزداد جمالاً وحسناً وطيباً ألف ألف ضعف في جميع معانيها، ثم تقول: قد أفلح المؤمنون فيقول الله عزّ وجلّ: هنيئاً لك منازل الملوك وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لا أسكنك جباراً ولابخيلاً ولا متكبراً ولا فخوراً، وينظر إلى العرض نظرة فيتسع ألف ألف سعة ويزداد بكل سعة ألف ألف عالم منها كل عالم لا يعلم وسعه إلا الله عزّ وجلّ، ثم يهتز فيثقل على الحملة حتى يموج بعضهم في بعض ويحطم بعضهم بعضاً وهم بعدد جميع ما خلق الله عزّ وجلّ وأضعاف ما خلق الله عزّ وجلّ فيقول العرش سبحانك أينما كنت وأينما تكون، فينادي حملة العرش: سبحان من لا يعلم أين هو إلا هو، سبحان من لا يعلم ما هو إلا هو.