ومكفر سيّئاتكم وهو دأب الصالحين قبلكم ومنهاة عن الإثم وملقاة للوزر ومذهبة لكيد الشيطان ومطردة للداء عن الجسد، وقد جعل الله سبحانه قيام الليل من أوصاف الصالحين بقَوله: (يَتْلُونَ آياتِ الله آناءَ الَّلَيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ) آل عمران: 113، إلى قوله: (وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّاِلحينَ) آل عمران: 114 فيستحب من قيام الليل ثلثاه وأقل الاستحباب من القيام سدسه، لأنا روينا أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يقم ليلة قط حتى أصبح، بل كان ينام منها، ولم ينم ليلة حتى يصبح بل كان يقوم منها، ويقال إن الصلاة أوّل الليل للمتهجدين، وقيام أوسطه للقانتين، وقيام آخره للمصلين، والقيام من الفجر للغافلين، وحدثنا عن عبد اللّّه بن عمر قال: حدثنا يوسف بن مهران قال: بلغني أن تحت العرش ملكاً في صورة ديك براثنه من لؤلؤ وصئصئتاه من زبرجد أخضر فإذا مضى نصف الليل الأوّل ضرب بجناحه وزقى، وقال: ليقم القائمون، فإذا مضى نصف الليل ضرب بجناحه وزقى وقال: ليقم المتهجدون، فإذا مضى ثلث الليل ضرب بجناحه وزقى وقال: ليقم المصلون، فإذا طلع الفجر ضرب بجناحه وزقى، وقال: ليقم الغافلون وعليهم أوزارهم وقال بعض العلماء أهل الليل على ثلاثة أصناف قوم قطعهم الليل فكان هؤلاء المريدون ذوو الأوراد والأجزاء كابدوا الليل فغلبهم قال وقوم قطعوا الليل فكان هؤلاء العالمون الذين صبروا وصابروا فغلبوه وقال قوم قطع بهم الليل فكان هؤلاء المحبون والعلماء أهل الفكر والمحادثة وأهل الأنس والمجالسة وأهل الذكر والمناجاة وأهل التملّق والملاقاة نغص عليهم الليل حالهم وقصر النعيم عليهم ليلهم ورفع الحبيب عنهم نومهم وخفف الفهم عليهم قيامهم وأذهب مزيد الوصل عنهم مللهم وأوصل العتاب لهم سهرهم.
وقيل لبعض أهل الليل كيف أنت والليل؟ فقال: ما رعيته قط يريني وجهه ثم ينصرف وما تأملته، وقال آخر: أنا والليل فرسا رهان مرة يسبقني إلى الفجر ومرة يقطعني عن الفكر، وقيل لبعضهم: كيف الليل عليك؟ فقال: هو ساعة أنا فيها بين حالين، أفرح بظلمته إذا جاء وأغتم بفجره إذا طلع ما تم فرحي به قط، ولا اشتفيت منه قط وقيل لبعض المحبين: كيف الليل عليك؟ فقال: والله ما أدري كيف أنا فيه إلا أنا بين نظرة ووقفة يقبل بظلامه فأتدرعه ثم يسفر قبل أن أتلبسه ثم أنشد:
لم أستتم عناقه لقدومه ... حتى بدا تسليمه لوداع
وقال بعضهم:
وزارني طيفك حتى إذا ... أراد أن يمضي تعلّقت به
فليت ليلي لم يزل سرمداً ... والصبح لم أنظر إلى كوكبه