جبل قاف والأخرى على جانب الجبل الآخر، فعبر الأرض كلها، وقيل لأبي يزيد: دخلت إرم ذات العماد فقال: قد دخلت ألف مدينة لله في ملكه، أدناها ذات العماد، ثم عدد كلها؛ البيت وتأويل وباريس وجايلق وجابرس ومسك، ولعلّ قائلاً يقول: فقد قال الله في وصفها: (الَّتي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي البلادِ) الفجر: 8، قيل: فإن معناه في بلاد اليمن لأنهم خوطبوا بما في بلادهم، كما قال تعالى: (أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ) المائدة: 33، يعني أرض بلادهم، فذات العماد مدينة عاد في اليمن بين إبتر والشحر، يقال: لها سور له ألف باب ما بين البابين، فرسخ مركبة على أعمدة الذهب والفضة والياقوت والزبرجد، فيها مائة ألف عمود من ذلك، كانت الجن اصطنعتها لعاد بن شدّاد بن سام بن نوح، استخرجت الجن هذه العمد من قعور البحار والقفار، وكانت سخرت الجن له قبل سليمان بن داود بأربعة آلاف عام، تجتمع في يهذه المدينة طائفة من الأبدال ليالي الجمع وفي الأعياد، يقال: فيها صناديق من حجارة، طول كل صندوق عشرة أذرع، فيها قبور الأنبياء؛ أجسادهم صحيحة باقية إلى يومنا هذا، وهي محجوبة عن أبصار العباد، وقد كان سهل رحمه الله يزورها في كل جمعة، وهذا واحد من المحبوبين وهذه آيات يسيرة من قدرة الله الكبيرة.
وقيل لهذا العبد: حدثنا عن مشاهدتك من الله، فطاح ثم قال: ويلكم لا يصلح لكم أن تعلموا ذلك، قيل: فحدثنا بأشد مجاهدتك لنفسك في الله، فقال: وهذا أيضاً لا يجوز أن أطلعكم عليه، قيل: فحدثنا عن رياضة نفسك في بدايتها، قال: نعم، دعوت نفسي إلى الله في بعض الأمور فتلكعت عليّ، فعزمت عليها أن لا أشرب الماء سنة ولا أذوق الغمض سنة، فوفت لي بذلك، وحكى عنه بجير بن معاذ في بعض مشاهداته أنه رآه من بعد صلاة العشاء إلى صلاة الفجر مستوفزاً على صدور قدميه، رافعاً أخمصها وعقبيه على الأرض ضارباً بذقنه على صدره شاخصاً بعينيه لا يطرف، قال: ثم سجد عند السحر ثم قعد فقال: اللهم، إن قوماً طلبوك فأعطيتهم طي الأرض فرضوا بذلك، وإني أعوذ بك من ذلك، وإن قوماً طلبوك فأعطيتهم المشي على الماء والهوى فرضوا بذلك، وإني أعوذ بك من ذلك، وإنّ قوماً طلبوك فأعطيتهم كنوز الأرض فانقلبت لهم الأعيان فرضوا بذلك، وإني أعوذ بك من ذلك، حتى عد نيفاً وعشرين مقاماً من كرامات الأولياء، قال: ثم التفت فرآني، فقال يحيى: قلت نعم ياسيدي، قال: منذ متى أنت ههنا؟ قلت: من صلاة العشاء، فسكت فقلت: ياسيدي، حدثني بشيء فقال: أخبرك بما يصلح لك، أدخلني في الفلك الأسفل فدورني في الملكوت السفلي، فأراني الأرضين وما تحتها إلى الثرى، ثم أدخلني في الفلك العلوي فطوف بي في السموات وأراني ما فيها من الجنان إلى العرش، ثم