نقض العهد وقلة الوفاء بالعقد.
وقال سهل: من أحبّ الدرهم لا يحبّ الآخرة، ومن أحبّ الخبز لم يحبّ الله عزّ وجلّ، ولا يخرج حبّ الوالد والولد المحبين من المحبة، لأنّ ذلك جعل الله في القلوب نصيباً لهم ولا يخرجه أيضاً حبّ الزوجة بمعنى الرفق بها والرحمة لها، ولا يخرجه أيضاً حبّ مصالح الدنيا من حاجات الأقسام والقلوب ممّا لا بدّ منه، وليس ذلك كله يكون في مكان محبة الله، لأنّ محبة الله في أنوار الإيمان، ومحبّة هذه الأشياء في مكان العقل، هكذا عندي في الفرق بين محبة الله ومحبة المخلوق، ويخرجه جميع ذلك عند بعض المحبين من السلف، فأما الاشتغال بهده الأشياء بالإيثار لها على التفرغ لمرضاة الله والإنحطاط في أهوائها دون محبة الله فإنّ ذلك يخرجه عند الكل وعندي يخرج العبد من حقيقة المحبة السكون إلى غير الله، والفرح بسواه، والحزن على فوت غيره إياه، وقيل لبعض العارفين من الأبدال: الناس يقولون إنك محبّ فقال لست محبّاً المحب متعوب ولكني محبوب وقيل له أيضاً الناس يقولون إنك واحد من السبعة، فقال: أنا كل السبعة، وقال هذا إذا رأيتموني فقد رأيتم أربعين بدلاً، قيل: كيف وأنت شخص واحد؟ قال: لأني قد رأيت أربعين بدلاً فأخذت من كل بدل خلقاً من أخلاقه، وقيل له: بلغنا أنك ترى الخضر فتبسم ثم قال: ليس العجب ممّن يرى الخضر ولكن العجب ممن يريد الخضر أن يراه فيحجب عنه فلا يقدر عليه ولعمري أن من كان عند الله لم يره بشر ولا ملك.
حدثونا أنّ الحسن رحمه الله اختفى عند حبيب العجمي من الحجاج، فسعى به فدخل عليه الشرط، ففزع الحسن وذهب ليتسور الحائط ويهرب، فقال له حبيب أبو محمد: اقعد حتى نبصر، فقال: فدخل عليه الشرط فقالوا: أين الحسن؟ قيل لنا إنه عندك، فقال: هل ترون شيئاً؟ ففتشوا الدار كلها وخرجوا وهم لا يرونه، فقال له الحسن: كيف لم ينظروا إليّ؟ قال لأنك كنت عند الله فلم يروك، ولو كنت عندي لأبصروك، قال له الحسن: إني قد رأيتك لما دخلوا هممت بشيء، فهل ذكرت اسم الله الأعظم؟ قال: لا، ولكن قلت اللهم اجعله عندك حتى لا يبصروه، وهذا هو واحد من أصحاب الحسن، وقد كان الحسن فوقه بدرجات أحوجه الله إليه، وقيل لأبي يزيد بلغت جبل قاف؟ فقال: جبل قاف أمره قريب الشأن في جبل كاف وجبل عين وجبل صاد، قال: وما هذا؟ قال: هذه جبال محيطة بالأرضين السفلى، حول كل أرض جبل بمنزلة جبل قاف محيط بهده الدنيا، وهو أصغرها، وهذه أصغرالأرضين، وقد كان أبو محمد يخبر أنه صعد جبل قاف، ورأى سفينة نوح مطروحة فوقه، وكان يصفه ويصفها، وقال لله عبد بالبصرة يرفع رجله وهو قاعد فيضعها على جبل قاف، وقد قيل: الدنيا كلها خطوة للولي، وإنّ وليَّا لله خطا خطوة واحدة خمسمائة عام، ورفع رجله على