محجة الزاهدين، إلى كم يعصيني ابن خالتك آصف وأنا أحلم عنه مرة بعد مرة، فوعزتي وجلالي لئن أخذته عطفة من عطفاتي عليه لأتركنّه مثلة لمن معه ونكالاً لمن بعده، قال: فلما دخل آصف على سليمان أخبره بما أوحى الله إليه، فخرج حتى علا كثيباً من رمل، ثم رفع يديه نحو السماء وهو يقول: إلهي وسيدي أنت أنت وأنا أنا فكيف أتوب إن لم تتب عليّ وكيف أستعصم إن لم تعصمني لأعودنّ فأوحى الله إليه: صدقت أنت أنت وأنا أنا أستقبل التوبة إليّ فقد تبت عليك وأنا التوّاب الرحيم، وهذا كلام مدّل به عليه، وهارب منه إليه، ومتملّق له منه ومن إدلال المحبوبين من المستأمنين مناجاة برخ الأسود الذي أمر الله كليمه أن يسأله أن يستسقي لبني إسرائيل بعد أن قحطوا سبع سنين، واستسقي لهم موسى في سبعين ألفاً، فأوحى الله إلى موسى كيف أستجيب لهم، وقد أظلمت عليهم ذنوبهم وسرائرهم خبيثة يدعونني على غير يقين، ويأمنون مكري، ارجع فإن عبداً من عبادي يقال له برخ قل له يخرج حتى أستجيب له، فسأل عنه موسى فلم يعرف، فبينا موسى عليه السلام ذات يوم يمشي في طريق فإذا بعبد أسود استقبله بين عينيه تراب من أثر السجود في شملة قد عقدها على عنقه، فعرفه موسى بنور الله فسلم عليه وقال: ما اسمك؟ فقال: اسمي برخ قال: فأنت طلبتنا منذ حين، اخرج فاستسق لنا، قال: فخرج فقال في كلامه: ماهذا من فعالك وما هذا من حلمك، فما هذا الذي بدا لك؟ أنقصت عليك غيوثك، أم عاندت عن طاعتك الرياح، أم نفد ما عندك، أم اشتد غضبك على المذنبين، ألست كنت غفاراً قبل خلق الخاطئين خلقت الرحمة، وأمرت بالعطفة فتكون لما تأمر من المخالفين، أم ترينا إنك ممتنع، أم تخشى الفوت فتعجل بالعقوبة؟ قال فما برح حتى اخضلت بنو إسرائيل بالقطر وأنبت الله العشب في نصف يوم حتى بلغ الركب، قال: فرجع برخ، قال: ففي هذا ذكري الراجين، وأنس المشتاقين، وطمع للعالمين، وتحبّب إلى المطيعين؛ هذا كما قال بعض العارفين: الحبيب لا يحاسب والعدو لا يحسب.
وروي عن الله سبحانه أنه أوحى إلى عبد تداركه بعد أن كان أشفى على الهلكة: كم من ذنب واجهتني به غفرته لك قد أهلكت في دونه أمة من الأمم، وقد اشترك عبدان في اسم المعصية ثم تباينا في الاجتباء والعصمة؛ آدم عليه السلام وإبليس لعنة الله عليه، ثم اجتبى آدم وهذا لما سبق له من الاصطفاء والكلمة الحسنى، وإبليس أبلس من رحمته وأغوى لما سبق له من الشقوة والكلمة السوء، وقد عاتب الله نبيه على الإعراض عن عبد، وكره له الإقبال على عبد فقال تعالى: (وَأَمَّا مَنْ يَسْعَى وَهُوَ يَخْشى فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهّى) عبس 8 - 9 - 10 وقال تعالى في الأخرى: (أَمَا مَنِ اسْتَغْنى) (فَأَنْتَ لَهُ تَصَدّى) (وَمَا عَلَيْكَ أَلاّ يَزَّكَّى) عبس: 5 - 6 - 7، وربهما واحد، وبمثله أمره بالإقبال والسلام على طائفة، وأمره بالإعراض وترك القعود مع طائفة فقال تعالى: (وَإذَا جَاءَكَ الَّذينَ يُؤْمِنُونَ بآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) الأنعام: 45، (واصبر نفسك مع