فيما يسببه له ويوجهه فيه، عالم بأن الله تعالى قد أودع الأشياء منافع خلقه وجعلها خزائن حكمته ومفاتح رزقه، ويكون أيضاً متبعاً للسنة والأثر تاركاً الترفه والتنعم، فهو في تكسبه وتصرفه أفضل ممن دخلت عليه العلل في توكله فساكنها، وقد ذكر لنا عن بعض العلماء أنه رؤي يطحن برجله، وكان قد ترك العمل أربعين سنة فقيل له: دخلت في التكسب بعد أن كنت قد تركته؟ فقال: يا هذا، إذا عدمنا عزّ التوكل لم نصبر على ذل الاستشراف، فكذلك الأمر فيمن دخلت عليه الآفة في ترك التكسب، فليخرج منها إلى الاحتراف، ومن دخل عليه اليقين فاقتطعه فليقعد عن الاكتساب، فالتكسب خير من التشرف إلى الخلق واعتياد المسألة، وسالك على طريق فهو يصل وإن كان في طريقه بعد، والتوكل لمن أقعد به ناظر إلى الوكيل أفضل لمن صح له لفراغ قلبه من الخلق وشغله بالخالق، وهو طريق قريب فصاحبه مقرب، والتارك للتكسب طمعاً في الخلق وترفّهاً للنفس وحبَّا للمسألة واتباعاً للهوى، سالك على غير طريق لا قريب ولا بعيد هو عن المحجة جائر، كما روي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لأن يأخذ أحدكم فأسه وحبله فيذهب إلى الجبل فيحتطب فيأكل ويتصدق، خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: استغنوا عن الناس ولو بشوص السواك يعني بمضغه، وقال: من يضمن لي خصلة واحدة، أضمن له الجنة، لا يسأل الناس شيئاً، وقال بعض علمائنا: من أنكر التكسب فقد طعن في السنّة، ومن أنكرالقعود عن التكسب فقد طعن في التوحيد، وقال: بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الخلق وهم أصناف كما هم اليوم، منهم التاجر، والصانع، والقاعد، ومن يسأل الناس، ومن لم يسأل الناس، فما قال للتاجر اترك تجارتك ولا قال للقاعد: اكتسب واصنع، بل جاءهم بالإيمان واليقين في جميع أحوالهم وتركهم مع الله في التدبير، فعمل كل واحد بعمله في حاله، وقد كان بعض المتوكلين يقول: من لم يصبر على جوع ثلاثة أيام أخاف أن لا يسعه ترك العمل إذا وجده، وقال أيضاً: من فقد الأسباب فضعف قلبه، أو كان وجودها أسكن لقلبه من عدمها، لم يصح له القعود عن المكاسب لأن فيه انتظار لغير الله، وقال بعض العلماء: من طرقته فاقة تسعة أيام، فتصور في قلبه طمع في خلق أو استشراف إلى عبد، فالسوق أفضل له من المسجد، وقال أبو سليمان الداراني: لا خير في عبد لزم القعود في البيت وقلبه معلق بقرع الباب متى يطرق بسبب، وقال بعض علمائنا: إذا استوى عنده وجود السبب وعدمه، وكان قلبه ساكناً مطمئناً عند العدم، لم يشغله ذلك عن الله تعالى، ولم يتفرق همّه، فترك التكسب والقعود لهذا، أفضل لشغله بحاله وتزودّه لمعاده، وقد صح له مقام في التوكل، وقال سهل وقد سئل: متى يصح للعبد التوكل؟ فقال: إذا دخل عليه الضرّ في جسده، والنقص في ماله، فلم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015