يلتفت إليه ولم يحزن عليه شغلاً بحاله وينظر إلى قيام الله عليه، وقال إبراهيم الخوّاص وهو إمام المتوكلين: من المتأخرين: ثلاثة مواطن حمل الزاد فيهن من آداب التوكل: القعود في المسجد والركوب في سفينة وصحبه القافلة، وقال سفيان الثوري: العالم إذا لم يكن له معيشة صار وكيلاً للظلمة، والعابد إذا لم تكن له معيشة أكل بدينه، والجاهل إذا لم تكن له معيشة كان سفيراً للفساق، وقال بعض أهل المعرفة: الناس ثلاثة، رجل شغله معاده عن معاشه فهذه درجة

الفائزين، ورجل شغله معاشه لمعاده فتلك حال الناجين، وآخر شغله معاشه عن معاده فهذه صفة الهالكين. لفائزين، ورجل شغله معاشه لمعاده فتلك حال الناجين، وآخر شغله معاشه عن معاده فهذه صفة الهالكين.

وروينا عن عليّ رضي الله عنه الرزق رزقان: رزق يطلبك ورزق تطلبه، ففسره بعض العلماء فقال: الرزق الذي يطلبك هو رزق الغذاء، والرزق الذي تطلبه رزق التمليك، وهو طلب فضول القوت، وقال أبو يعقوب السوسي وقد كان له مقام مكين في التوكل: التوكل على ثلاثة مقامات، عام وخاص عام وخاص خاص، فمن دخل في الأسباب واستعمل العلم وتوكل على الله تعالى ولم يتحقق باليقين فهو عام، ومن ترك الأسباب وتوكل على الله وحقق في اليقين فهو خاص عام، ومن خرج من الأسباب على حقيقته لوجود اليقين، ثم دخل في الأسباب فتصرف لغيره فهذا خاص خاص، وهذا وصف الطبقة العليا من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العشرة وغيرهم، جودهم اليقين من الدنيا فأدخلهم العلم في الأسباب لغيرهم ردت عليهم أحوال الغير، واتسعوا بالعلم على حقيقة اليقين، ولذلك كان الخواص رحمه الله تعالى يقول: دخول الخصوص في الأسباب لغيرهم ردت عليهم أحوال الغير وجعلوا رازقين لهم، فتصرفوا فيها لأجلهم وهم بريئون من التعلق بها، وقد كان أبو جعفر الحداد شيخ الجنيد أحد المتوكلين وقال: أخفيت التوكل عشرين سنة ولا فارقت السوق، أكتسب في كل يوم ديناراً وعشرة دراهم، أبيت منه دانقاً ولا أستريح فيه إلى قيراط، أدخل به الحمام بل أخرجه كله قبل الليل، وكان الجنيد لا يتكلم في التوكل بحضرة أبي جعفر يقول: أستحي من الله أن أتكلم في مقامه وهو حاضر، وقد شرط النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للعطاء ترك المسألة والاستشراف تنزيهاً للفقراء ورداً لهم إلى الله تعالى، لأن في مسألة العبد الفقير ذلاً ذليلاً وحرصاً على الدنيا جليلاً، وفي الاستشراف إلى العبيد طمع في غير مطمع، ونظر إلى غير الله، وإتيان البيوت من غير أبوابها، ومنه ماروي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مسألة الناس من الفواحش ما أحل من الفواحش غيرها، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من استغنى أغناه الله، ومن استعف أعفه الله، ومن فتح علىه نفسه باب مسألة فتح الله عليه باب فقر، فكان الفقراء الصادقين جعل لهم أخذ العطاء، بل ندبوا إلى قبوله عوضاً لهم من ذلك لما منعوا من الاستشراف والسؤال تنزيهاً لهم وتفضيلاً، فمثلهم في ذلك مثل أهل البيت جعل لهم خمس الخمس من الغنائم لما حرمت عليهم الصدقة تفضيلاً لهم وتشريفاً،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015