أخلاق الجبابرة على أخلاق المؤمنين، لبعدهم من مشاهدة اليقين ولاستيلاء أخلاق النفس عليهم، ثم إنّ نفوسهم مع علمهم أنّ الخلق والأرض كله لله عزّ وجله، وأنّ الحمد والملك له، قد تطمع في غير الله وترجو سواه، وقد تضطرب بجبلتها عن أثقال الحقائق، وقلوبهم لا تطمئن بل تنزعج عند الابتلاء بالمصائب والفاقات، ولاتصبر للخالق، وإنّ ألسنتهم قد تسبق بالمدح والفرح مع رؤية الأواسط أو بالذم والأسى على فوت العطاء لوجود الغفلة وذهابهم عن مشاهدة ما يعلمون، فهذا دليل نقص توحيدهم وضعف يقينهم، وإن معرفتهم معرفة سمع وخبر لامعرفة شهادة وخبر، وقد شركهم الموقنون بتسليم ذلك لله في العلم والقدرة وإثبات الأواسط والأسباب لمجاري الحكمة وعود الثواب والعقاب على الخليقة، ولكن زادوا عليهم بحسن اليقين وقوة المشاهدة وجميل الصبر وحقيقة الرضا، فسكنت القلوب واطمأنت النفوس عند النوازل والبؤس، وثبتوا في الإبتلاء لشهود المبلي يدبر الخلائق كيف شاء، فحصل لهم في اليقين وحال من التوكل ونصيب من الرضا، وخرج أولئك من حقائق هذه المعاني ودخلوا في عمومها، ودخل عموم المؤمنين مع الموقنين في فرض التوكل، قد جاوزهم الموقنون فارتفعوا عليهم وعلوا في فضله ووقف العموم ونكصوا عن العلوّ لقعود اليقين بهم وحجب الأسباب لهم، وسبق المقربون إلى الفضل، ويؤت كل ذي فضل فضله، هم درجات عند الله، والله بصير بما يعملون، وقال بعض العلماء: احتجب عن العموم بالأسباب فهم يرونها، وحجب الأسباب بنفسه عن الخصوص فهم يرونها ولا يرونها، وحدثونا عن سري السقطي قال: ثلاث يستبين بهن اليقين، القيام بالحق في مواطن الهلكة، والتسليم لأمر الله عند نزول البلاء، والرضا بالقضاء عن زوال النعمة، وقال يوسف بن أسباط قبله: كان يقال: ثلاث من كنّ فيه استكمل إيمانه، من إذا رضي لم يخرجه رضاه إلى باطل، وإذا غضب لم يخرجه غضبه عن حق، وإذا قدر لم يتناول ما ليس له.

ذكر التكسب والتصرف في المعايش

ولا

يضرّالتصرف

والتكسب لمن صحّ توكله ولايقدح في مقامه ولا ينقص من حاله قال الله سبحانه: (وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً) النبأ: 11، وقال تعالى: (وَجَعَلْنَا لَكُمْ فيهَا مَعَايِشَ قَليلاً مَا تَشْكُرُونَ) الأعراف: 10 وروي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أحلّ ما أكل العبد من كسب يده وكل بيع مبرور، وقد كان الصانع بيده أحبّ إليهم من التاجر، والتاجر أحبّ إليهم من البطال، وقال ابن مسعود: إني لأكره أن يكون الرجل بطالاً ليس في عمل دنيا، ولا في عمل آخرة، ولأن التوكل من شرط الإيمان ووصف الإسلام، قال الله تعالى: (إنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِالله فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إنْ كُنْتُمْ مُسْلِمينَ) يونس: 84، فاشترط في الإيمان به والإسلام له التوكّل عليه، فإن كان حال المتوكل التصرف فيما قد وجه فيه ودخل في الأسباب وهو ناظر إلى المسبّب في تصريفه، معتمد عليه واثق به في حركته، متسبب فيما يقلبه فيه مولاه، متعيش

طور بواسطة نورين ميديا © 2015