أواسطها فهي ثوان عن الأوّل المبدئ، ومن ههنا، وفي مثله دخلت الشبهة على المبتدعين فقالوا بخلق القرآن، فلو لم يدخل عليهم إلا إنهم جعلوا قول القائلين قبل قول الله أحكم الحاكمين، فأثبتوا قبل قوله قيلاً وهو القول منهم لنفيهم قدم الكلام، فوقعوا بجهلهم في أعظم مما هربوا منه لأنهم هربوا من إثبات قديم آخر بزعمهم، فوقعوا في إثبات حدث أوّلاً وإحداث قدم ثانياً، تعالى الله عمّا يقول الظالمون علواً كبيراً وسبحانه بكرة ً وأصيلاً، ولم يعلموا بجهلهم أنهم إنما قالوا بعد قوله، فصار قولهم عن قوله، وكان هو الأوّل في القول من حيث كان هو الأوّل بالقدم والسابق بالعلم، وصاروا هم ثوان في المقال من حيث كانوا حوادث من الأفعال، فكذلك أيضاً تدخل الشبهة على الغافلين من ضعف اليقين لشهود المانعين والمنفقين أوائل في الفعل من قبل أنّ الله تعالى أظهر العطاء والمنع بأيديهم، فشهدوهم معطين مانعين لنقصان توحيدهم فأشركوا في أسماء الله كما أشركت المبتدعة في صفات الله عزّ وجلّ أن حجبوا عن شهادة سبق علم الله كما حجب الزائغون عن حقيقة توحيد الله تعالى، إلا إنّ شرك الزائغين ضلال ينقل عن الملة وهو شرك جلي وشرك ضعفاء اليقين غفلة وجهل لا ينقل عن الملة لأنه شرك خفي، وحكي أنّ بعض العلماء صلّى خلف رجل، فلما انفتل الإمام نظر إليه في زي غير مكتسب فقال: يا شيخ من أين تأكل؟ فقال: اصبر حتى أعيد الصلاة التي صليتها خلفك ثم أجيبك، وحدثونا في معناه عن آخر أنه لزم العكوف في المسجد ولم يكن ذا معلوم من عيش فقال له الإمام: الذي يصلّي بالناس لوتكسّبت وتعبّست كان أفضل لك فلم يجبه، فأعاد عليه وقتاً آخر نحو ذلك، فقال يهوديّ في جوار المسجد: قد ضمن لي كل يوم رغيفين فقنعت بذلك وتركت التكسّب، فقال الإمام: إن كان صادقاً في ضمانه فإن عكوفك في المسجد خير لك، فقال له الرجل: يا هذا أنت لو لم تكن إماماً للمسليمن تقوم بينهم وبين الله لنقص توحيدك كان خيراً لك.
وحدثت أنّ الله تعالى أوحى إلى بعض الصدّيقين: أدرك لي لطف الفطنة وخفيّ اللطف فإني أحبّ ذلك، قال: يا رب وما لطف الفطنة؟ قال: إن وقعت عليك ذبابة فاعلم أني أوقعتها فسلني أرفعها، قال وماخفيّ اللطف؟ قال: إن أتتك فولة مسوّسة فاعلم أني قد ذكرتك بها، وهذاالذي ذكرناه من أنّ الله سبحانه وتعالى هو المعطي المانع الضارّ النافع حيث كان، هو الخالق الرازق كيف شاء، ومتى شاء، وبمن شاء، هو في عقود عموم المؤمنين وفي علمهم، ألا إنّ فيهم جهلاً بالحكمة وغفلةً عن الحاكم، يحيلون ذلك إلى عاداتهم ويريدون أن يكون رزقهم من حيث معتادهم، أو من حيث معقولهم باختيارهم ومعقولهم بالعزّ والفخر والتطاول والأنفة، لا على الذلّ والتواضع والفقر والمسكنة، ولا يكلون أمورهم إلى الله ويرضون بتدبيره وتقديره أن يرزقهم كيف شاء وبيد مم شاء فيؤثرون