ومن ذلك قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للرجل الذي ناوله التمرة: خذها، لو لم تأتها لأتتك، والتمرة لا تأتي، ولم يقل: لجاءك بها رجل إذ لا بغية في ذكر ذلك، ومن هذا قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للرجل الذي قال: أتوب إلى الله ولا أتوب إلى محمد فقال: عرف الحق لأهله، وإنما ذكرالله تعالى الأسباب لأن الأسماء متعلقة بها والأحكام عائدة على الأسماء بالثواب والعقاب، فلم يصلح أن لا تذكر فتعود الأحكام على الحاكم تعالى، عن هذا أنه هو يبدىء ويعيد، يبدئ الأحكام من الحاكم ويعيدها على المحكوم، وهذا هو سبب إظهار المكان من الموات والحيوان لئلا يكون تعالى محكوماً وهو الحاكم ولا يكون مأموراً وهو العزيز الآمر، فعادت على المحكومات المأمورات، ومن هذا قوله تعالى: (مَا عِنْدَكمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ الله بَاقٍ) النحل: 96، فجميعاً عنده، وفي خزائنه، إلا أنه أضاف الدنيا إلينا لرجوع الأحام علينا وليزهدنا فيها وأضاف الآخرة إليه تخصيصاً لها، وتفضيلاً ليرغبنا فيها، وكما أخبر عن عيسى: وإذ تخلق من الطين، ومثله: فارزقوهم فيها، فسماه خالقاً، إذ خلق الله على يده وسماهم رازقين لما أجرى على أيديهم رزق أهليهم، فهو عندي كقوله لمريم: (وَهُزِّي إلَيْكِ بِجِذْعِ الَّنخِلةِ تُساقِطْ عَليْكَ رُطَباً جَنِيَّا) مريم: 25، وقد علمت أن الرطب لم يتساقط بهزّها ولا جعل ولا فعل لهزّها في الرطب، ولكن أراد أن يظهر كرامتها ويجعل الآلة منه بيدها، ومثله: (ارْكُضْ بِرِجِلْكَ هَذا مُغْتَسَلٌ

بارِدٌُ وَشَرَابٌ) ص: 42، فنبعت عينان فشرب من إحداهما واغتسل من الأخرى ولا فعل لرجله في إظهار اليعنين، وقد نفى لبيد ما سوى الله في قوله: دٌُ وَشَرَابٌ) ص: 42، فنبعت عينان فشرب من إحداهما واغتسل من الأخرى ولا فعل لرجله في إظهار اليعنين، وقد نفى لبيد ما سوى الله في قوله:

ألا كل شيء ما خلا الله باطل

فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أنشد ذلك صدق، وفي لفظ آخر إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أصدق بيت قاله الشاعر:

ألا كل شيء ما خلا الله باطل

وهو يعلم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنّ في الأشياء أواسط حقّ وأسباب صدق، ثم لم يمنعه ذلك أن قال أصدق بيت قاله الشاعر: كذا، إيثاراً منه للتوحيد وتوحيداً للمتوحد، هذا مع قرب عهدهم بتكذيب الرسل وإبطال الكتب، ولكن لما كانت الأشياء بعد أن لم تكن ولا تكون، بعد أن كانت أشبهت الباطل الذي لا حقيقة له أولية، ولا ثبات له آخرية، وكان الله تعالى الأوّل الأزلي، الآخر الأبدي، فهو الحق ولا هكذا سواه، ومثله الأسباب أيضاً في ثوانيها وأواسطها إلى جنب الأوّل المسبّب مثل ما يقول في القرآن: قال الله كذا، ولك أن تقول قال نوح، وقال يوسف كذا، فكل صواب، فإذا قلت قال الله سبحانه وتعالى فهو القائل الأوّل قبل القائلين، متكلماً بوصفه مخبراً عن علمه بغير وقت لموقت ولا حدّ لمحدود ولا حدثان، وإن قلت قال صالح وقال شعيب فقد قالوه بأنهم ثوان في القول وأواسط به، وقالوا ذلك عنه بحدوث أوقات وظهور أسباب، كذلك الأسباب في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015