له في ملكه ولا ظهير له من عباده في خلقه ورزقه، وهذا عندهم يقدح في حقيقة التوحيد للعبد وهو من الشرك الخفي الذي جاء في الأثر: الشرك في أمتي أخفى من دبيب النمل في الليلة المظلمة.
وقال بعضهم في معنى قوله تعالى: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِالله إلاّ وَهُمْ مُشركُون) يوسف: 106 قال مؤمن بالإقرار: إن الله هو المقدّر المدبّر، ومشرك في الاعتماد على الأسباب وردّ الأفعال إليها، ومن الإخلاص عند المخلصين بلا إله إلا الله، ولامعطي ولا مانع إلا الله ولا هادي ولا مضلّ إلا الله، كما لا إله إلا الله، هذا عندهم في قرن واحد ومشاهدة واحدة، وهو أوّل التوحيد، وإن كان قد جعل هادين ومضلين ومعطين ومانعين ولكن بعد إذنه ومن بعد مشيئته وحكمه، كما قال تعالى: (أَحْسَنُ الْخَاِلقينَ) المؤمنون: 14 (خَيْرُ الرَّازِقينَ) المؤمنون: 72، لأنه خلقهم وخلق خلقهم ورزقهم ورزق رزقهم، وكذلك هو هداهم وهدى بهم، وأضلهم وأضلّ بهم، فعن هدايته هدوا به، وعن إضلاله ضلّوا بعد إرادته، كما عن خلقه خلقوا، ومن رزقه رزقوا، وكيف وقد فسر ماذكرناه بقوله: وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني وبقوله تعالى: (لَوْ هَدانَا الله لَهَدَيْنَاكُمْ) إبراهيم: 21، وقال في مثله: (فَأَغْوَيْناكُمْ إنَّا كُنّا غَاوِينَ) الصافات: 32، فبمشاهدة ما ذكرناه يخرج العبد من الشرك الخفي وهو تحقيق قوله: لا إله إلا الله بعد التصديق، أي ليس من تأله، القلوب وتأله إليه إلا الله، ثم يقول معها: وحده لاشريك له، أي وحده في قدرته وتوحيده لا شريك له في ملكه من خلقه، ثم وكدّ ذلك بقوله: له الملك، أي جميع ما أظهر، وله الحمد في جميع ما أعطى ومنع، يستحق الحمد كله، فهو لا يستحقه غيره، وهوعلى كل شيء قدير أي من الخلق والأمر، فالقدرة كلها له والخلق كله له يحكم في خلقه بأمره ما شاء كيف شاء، ومثل الأواسط مثل الآلة بيد الصانع، ألا ترى أنه لا يقال: الشفرة حذت النعل ولا السوط ضرب العبد، إنما يقال: الحذاء حذ النعل وفلان ضرب عبده بالسوط، وإن كانت هذه الأواسط مباشرة للأفعال إلا أنها آلة بيد صانعها، وكذلك الخليقة يباشرون الأسباب في ظاهر العيان، والله من ورائهم محيط، القادر الفاعل بلطائف القدرة وخفايا المشيئة، ألم ترَ إلى قولهم: الأمير أعطاني كذا وخلع عليّ كذا؟ وإن لم يناوله بيده ولا يصلح أن يقول: خادم الأمير أعطاني لأجل أنه جرى على يده، وإن كان باشر العطاء بنفسه، إذ قد علم أن الخادم لا يملك ولا يتصرف في ملك الأمير إلا أن يسأل الإنسان: بيد من أعطاك الأمير؟ أو على يد من وجه إليك بالعطاء؟ لبغية تكون للسائل في معرفة أي عبد جاء به، فيجوز أن يقول حينئذ: بيد عبده فلان فإما أن يبتدئ المعطي من غير أن يسأل إذا أراد أن يظهر العطاء فيقول الأمير أعطاني على يد عبده فلان، فإن هذا لغو لا يحتاج إلى ذكر العبدمع ذكر الملك، لأن البغية إظهار العطاء من الملك المعطي، فلا معنى لذكر العبد الذي جرى العطاء على يده فافهم،