لِيْعَذّبَهُمْ بهَا) التوبة: 55، وقال في مثله: (الَّذي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) العلق: 4، ثم قال تعالى: (الرَّحْمنُ) (عَلَّمَ الْقُرْآنَ) الرحمن: 1 - 2 وقال تعالى: (عَلَّمَهُ الَبَيانَ) الرحمن: 4، ثم قال: إن علينا بيانه، وقال في تثبيت الأملاك وبيعها منه بالأعواض كرماً منه وفضلاً: إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم، فجاز ذلك لما ملكهم ما له كقوله تعالى: (إلاَّ مَا مَلَكَتْ أيمانكم) النساء: 24، وعند أهل المعرفة أن لا فاعل حقيقة إلا الله عزّ وجلّ، لأن حقيقة الفاعل هو الذي لا يستعين بغيره بآلة ولا سبب، وعندهم إن فعلاً لا يتأتى من فاعلين وإلا كان شركا، لأن الفاعل الثاني المظهر الذي فعل بيده وأجرى الفعل بواسطته هو ثان ومحدث، والأوّل القديم هو الفاعل الأصلي، كما أن عندهم أن حقيقة المالك هو خالق الشيء، ومن جعل في يده فهو مملك، لأنه لم يخلق مابيده كما المجري على يده الفعل مفعول، لأن الله تعالى هو الأول القيوم بنفسه لا يستعين بغيره، وقد جعل الله أيضاً بحكمته وعزته للخلقة والحياة واسطة وهوملك الأرحام، في الخبر أنه يدخل الرحم فيأخذ النطفة في يده ثم يصوّرها جسداً فيقول يا رب أذكر أم أنثى؟ أسويّ أم معوج؟ فيقول الله ما شاء ويصوّر الملك، وفي لفظ آخر: يخلق الملك ثم ينفخ فيها الروح بالشقاوة أو بالسعادة، ويقال: إن الملك الذي يقال له الروح هو الذي يولج الأرواح في الأجساد، ويقال: إنه يتنفس بوصفه، فيكون كلّ نفس من أنفاسه روحاً يلج في جسم، ولذلك سمّي الروح.
وقد قال الله تعالى في وصف نفسه: (الْبَارئ الْمُصَوِّرُ) الحشر: 24، كما قال الخالق، وقال تعالى: (خَلَقَ الْموْتَ وَالْحَياة) الملك: 2، وقد جعل للإحياء واسطة كما جعل للموت وهو إسرافيل صاحب الصور ينفخ في النفخة الثانية فيحيا كل ميت ثم يرفعه الله تعالى، فقال: يوم ينفخ في الصور، ووصف نفسه بأنه المحيي المميت، وفي بعض الأخبار أن ملك الموت وملك الحياة تناظرا، فقال ملك الموت: أنا أميت الأحياء، وقال ملك الحياة: أنا أحيي كل ميت، فأوحى الله إليهما كونا على عملكما وما سخرتما له من الصنع، فأنا المميت وأنا المحيي ولا مميت ولا محيي سواي، وكذلك أيضاً قيل عن الله تعالى: أنا الدليل على نفسي ولا دليل عليّ أدل مني، ولم يمنع وجود هذه الأواسط أن يكون الله سبحانه هو الأول في كل شيء، وهو الفاعل لكل شيء، وحده لا شريك له في شيء، ولم يقل أحد من المسلمين: الملك خلقني ولا عزرائيل أماتني ولا إسرافيل قد أحياني كذلك، أيضاً لا يصلح أن يقول الموقن المشاهد للتوحيد، فلان أعطاني أو منعني، كما لا يقول فلان رزقني ولا فلان قدر عليّ، وإن جعل واسطة في ذلك وأجرى على يديه ذلك لأن العطاء هوالرزق والمنع هو القدر، ولا كان عندهم شركاء في أسماء الله غيره إذ كان الله هو المعطي المانع الضار النافع كما هو المحيي المميت، لا شريك