أبان عن حمدان الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: فقام إلّي أبواي فقبلاني في صدورهما فقلت بغير حمدكما ولا حمد صاحبكما، أحمد الله تعالى الذي عززني وبرأني، وفي حديث غيره فقال لها أبو بكر: قومي فقبّلي رأس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: والله لا أفعل ولا أحمد إلا الله، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دعها يا أبا بكر، فهذه المعاني التي قدمناها تكون من ضعف اليقين، ونقصان المعرفة، فإذا انطوت في سرّ العبد وخلده وكثرت من قوله وفعله أذهبت حقيقة الإيمان، كما قال عبد وأن العبد ليخرج من منزله ومعه إيمانه فيرجع إلى منزله وليس معه من إيمانه شيء يلقى الرجل لا يملك له ضرَّا ولا نفعاً، فيقول إنك لذيت وذيت، ويلقى الآخر كذلك حتى يرجع إلى منزله، ولعله لم يخل منه بشيء وقد أسخط الله عليه.

وسئل بعض علمائنا عن معنى الخبر المنقول من التوراة: من تواضع لغني ذهب ثلثا دينه، فقال: لأن الإيمان عقد وفعل وقول، فإذا تواضع للغني لأجل دنياه بالثناء والحركة إليه، ذهب ثلثا إيمانه وبقي الثلث وهو العقد، فإن جعلت الأواسط في الرزق أوائل في الجعل لثبوتها فإن الله تعالى قد أظهرها أسباباً وأثبت نفسه فيها فقال تعالى: (قُلْ يَتَوَفّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذي وُكَّلَ بِكُمْ) السجدة: 11، ثم رفعه وأظهر نفسه فقال تعالى: (اللَّه يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حينَ مَوْتِهَا) الزمر: 42، وكذلك قال: (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ) الواقعة: 63، فذكر الأواسط ثم قال: (أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبَّا) (ثُمَّ شَقَقْنَا الأرََْضَ شَقًّا) عبس 25 - 26، وقال في التفصيل: (فَأَرْسَلْنا إلَيْها رُوحَنَا) مريم: 17، ثم قال تعالى في التوحيد: (فَنَفَخْنَا فيهَا مِنْ رُوحِنَا) الانبياء: 91، وكان النافخ جبريل عليه السلام، كما قال تعالى: (فَإذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبعْ قُرْآنَهُ) القيامة: 18.

قال أهل التفسير: فإذا قرأه عليك جبريل فخذه عنه بعد قوله تعالى: (لاَتُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) القيامة: 16 وكذلك قال جبريل: لأهب لك غلاماً ذكياً لأن الله تعالى وهب له أن يهب لها، فذكر نفسه وهو يشهد ربه ثم قال في الحرف الآخر: ليهب لك يعني الله تعالى، ومثله قول موسى عليه السلام: لا أملك إلا نفسي وأخي لأجل أن الله تعالى قال: (وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ) مريم: 53، وهو في الحقيقة لا يملك نفسه ولا آخاه إذ لا مالك أصلاً إلا الله عزّ وجلّ، وهذا على أحد الوجهين إذا كان وأخي في موضع نصب والوجه الآخر أن يكون قوله وأخي في موضع رفع فيكون المعنى وأخي أيضاً لا يملك إلا نفسه وكذلك قال سبحانه في التفصيل والأمر: (اقْتُلُوا الْمُشْرِكينَ) التوبة: 5، وقال في مثله من ذكر واسطة الأمر: (قَاِتلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ الله بأَيْديكمْ) التوبة: 14 ثم قال في التوحيد: (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ الله قَتَلَهُمْ) الأنفال: 71، وقال في إثبات الأسباب ورفع حقائقها: (وَمَا رَمَيْتَ إذ رَمَيْتَ ولَكِنَ اللهَ رَمَى) الأنفال: 17، وقال تعالى في ذكر الأواسط: (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمُ ولاَ أَوْلاَدُهُمْ إنَّمَا يُريدُ الله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015