تنقصك من قسمة الله التي قسم لك، واعتبر رزقك بخلقك، فإن استطعت أن تزيد في خلقك بحيلتك فإنك إذاً تزيد في رزقك، وإلافاعلم أن الله هو الذي عدل الخلق وقسم الرزق، فلن تستطيع أن تزيد في أحد منها، فإن منهم المحتال الجلد البطوش ولا يزداد إلا فقراً، ومنهم المعيي الواهن المهين ولا يزداد ماله إلا كثرة، ولو كان من الحيلة لسبق القوي الضعيف إلى كل شيء، ولكن الله يخلق ويرزق ولا يملك العباد من ذلك شيئاً، وهكذا حكى أن بعض الأكاسرة سأل حكيماً في زمانه فقال: ما بالي أرى العاقل محروماً والأحمق مرزوقاً؟ فقال: أراد الصانع أن يدل على نفسه، ولو كان كل عاقل مرزوقاً، وكل أحمق محروماً، لوقع في العقول، إن العاقل يرزق نفسه والأحمق حرم نفسه فلما رأوا الأمر بخلاف هذا علموا أن الصانع هو الرازق.
وروينا عن ابن مسعود في إعطاء هذا المال فتنة، وفي منعه فتنة، إن أعطيه عبد مدح غير الذي أعطاه، وإن منعه عبد ذم غير الذي منعه، وقد روينا معناه في حديث مطرف عن بعض أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه خطب فقال: ألا إن في إعطاء هذا المال فتنة،، وفي منعه فتنة، يغدو الرجل إلى ابن عمه فيسأله الحاجة التي قد كتبها الله له فلا يملك منعه فيعطيه ما كتب له فيظل يشكره ويثني عليه بها خيراً، ثم يعود إليه العام المقبل فيسأله الحاجة التي لم يكتبها الله له فلا يملك أن يعطيه كما لم يعطه في العام الأول أن يمنعه فيمنعه ما لم يكتب له، فيرجع فيحتقبها عليه ذنباً، ويثني عليه بها شرَّا، إلا أن في إعطاء هذا المال فتنة وفي منعه فتنة، واللفظ للخبر ولم آل يعني بالفتنة الاختبار وصدق صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يختبر بذلك الموقنون للخير والغافلون لينظر كيف يعملون، فأما أهل اليقين فيعتبرون بالأسباب ويعجبون من التسبب فيزدادون بذلك هدى وإيماناً لشهودهم المعطي المانع واحداً في العطاء والمنع، ولمعرفتهم بجريان الحكمة فيما جادت به الشريعة ثبت لهم مقامان: الشكر له والصبر عليه، وأما الغافلون فيضطربون لذلك ويثبتون بنظرهم إلى الأسباب والأيدي، فيمدحون المعطين ويذمون المانعين عندهم فينقصون ذلك، فقد صار المال فتنة للفريقين يكشف إيمانهم وتمتحن للتقوى قلوبهم، وكذلك جاء في الخبر: إن العبد ليهمّ من الليل بالأمر من أمور الدنيا من التجارة وغيرها الذي لو فعله كان فيه هلكته، فينظر الله إليه من فوق عرشه فيصرفه عنه فيصبح كئيباً حزيناً يتطير بجاره وبابن عمه من سبقني من دهاني وما هو إلا رحمة رحمه الله بها، وعن ابن مسعود أنه قال: من الإخلاص أن لا تحبّ أن يحمدك الناس على عبادة اللَّه وأن لا تمدحهم على ما رزقك الله.
وقد روينا عن عيسى عليه السلام وعن ابن مسعود وغيره: أن من اليقين أن لا تحمد أحداً على ما أعطاك الله ولا تذمه على ما لم يؤتك الله، وقال: الصبر نصف الإيمان والشكر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله، وفي حديث الإفك الذي رواه معمر بن