مفقودة إذ في ذلك تضعيف لحجة اللَّه تعالى عليه ووهن لبرهانه لأن العقل شاهد الحجة والشهوة في النفس مكان البلوى والنية في القلب طريق الججة وذلك أصل سبب عود جزاء الأمر والنهي فالعقل مطبوع على التمييز مجبول على التحسين والتقبيح والنفس مجبولة على الشهوة مطبوعة على الأمر بالهوى وهذا نصيبهما من عطائه وهداه لهما إلى رشاده وإغوائه وخطهما من الكتاب وقسمهما من ولي الأسباب، كما قال تعالى في أحكام ما ذكرناه تكملة لما أخبرنا عما سبق في علمه: (أعطى كل شيء خلقه ثم هدى) وقال تعالى: (أٌُولِئَكَ يَنَالُهُمْ نَصيبَُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ) الأعراف: 37 وقال تعالى: (كِتُبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْديهِ إلى عَذَابِ السَّعيِر) الحج: 4 والخاطر السادس هو خاطر اليقين وهو روح الإيمان ومزيد العلم يردان إليه ويصدران عنه وهذا الخاطر مخصوص بخصوص لا يجده إلا الموقنون وهم الشهداء والصديقون لا يرد إلا بحق وإن خفي وروده ودق ولايقدح إلا بعلم اختيار لمراد مختار وإن لطفت أدلته وبطن وجه الاستدلال به ولكن ليس يخفى هذا إلا الخاطر على مقصود به ومراد له وهم الذين وصفهم اللَّه تعالى بالذكرى.
ورد الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليهم الفتيا فقال سبحانه: (إنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَاَنَ لَهُ قَلْب) ق: 37، أي من تولى اللَّه حفظ قلبه، وقال رسول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما حاك في صدرك فدعه والإثم حواز القلوب يعني ما يؤثر فيها فيحزها لرقتها وصفائها ولينها ولطفها وقال للرجل الذي سأله عن البر والإثم وهما أصلا أعمال الخير والشر استفت قلبك وان أفتاك المفتون أي أن المتقين يعلمون معاني التأويل والرخصة عن علمهم العلانية وأنت على علم فوقهم مطالب بالتحقيق والعزيمة عن علمك السر وأهل الظاهر أيضاً يعلمون حكم اللَّه تعالى الظاهر عن علم اللسان الظاهر الذي هو حجة على أهل العلم الظاهر وقلبك فقيه منوّر بالإيمان تنظر به أو ينطق به حكم اللَّه تعالى الباطن عن علم القلب الباطن الذي هوحقيقة الإيمان ومنفعته لأهل العلم الباطن ولا يصلح أن يرد رسول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سائلاً إلا إلى فقيه فلولا أن علم القلب هو حقيقة الفقه ما ردّ صاحبه من فتا أهل الظاهر إليه ولا حكم على المفتين به فقد صار علم القلب هو علم العلم إذ جعله الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاضياً على المفتين بالحكم وصار عالم الباطن هوعالم العلماء إذ لم يسعه تقليد العلماء، وفي الحديث الآخر: البر ما اطمأن إليه القلب وسكنت إليه النفس وإن أفتوك وأفتوك فهذا وصف قلب مكاشف بالذكر ونعت نفس ساكنة بمزيد السكينة والبر كما وصف من قلوب المؤمنين في صريح الكلام وفي دليل الخطاب، فأما صريحه فقوله تعالى: (الَّذينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّه أَلاَ بِذِكْرِ اللَّه تَطْمَئِنُْ القُلُوب) الرعد: 28 وقوله تعالى: (هُوَ الَّذي أَنْزَلَ السَّكينَةَ في قُلُوبِ الْمؤْمِنينَ لِِيزْدَادُوا إيمَاناً مَعَ إيماِنهِم) الفتح: 4 وأما دليل الكلام الذي يشهد بالتدبر فقوله تعالى في