قوله: (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاِتِهِ للِنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقونَ) البقرة: 187 وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الإنْسَانَ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَريمِ) (الَّذي خَلَقَكَ فَسوَّاكَ فَعَدَلَك) الانفطار: 6 - 7 وقال تعالى: (لَقَد خَلَقنَا الإْنسَانَ في أَحْسَنِ تَقويمٍ) التين: 4 وقال: (وَمِن كُلِّ شَيء خَلَقْنَا زَوٌجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تََذَكَّرُونَ) الذاريات: 49 فمن السواء والتعديل والازدواج والتقويم أدوات الظاهر وأعراض الباطن وهي حواس الجسم والقلب.
فأدوات الجسم هي الصفات الظاهرة وأعراض القلب هي المعاني الباطنة قد عدلها اللَّه تعالى بحكمته وسواها على مشيئته وقومها إتقاناً بصنعته وأحكاماً بصنعه، أولها النفس والروح وهما مكانان للقاء العدّو والملك وهما شخصان ملقيان للفجور والتقوى، ومنها غرضان متمكنان في مكانين وهما العقل والهوى عن حكمين في مشيئة حاكم وهما التوفيق والإغواء، ومنها نوران ساطعان في القلب عن تخصيص من رحمة راحم وهما العلم والإيمان، فهذه أدوات القلب وحواسه ومعانيه الغائبة وآلاته، والقلب في وسط هذه الأدوات كالملك، وهذه جنوده تؤدي إليه أو كالمرآة المجلوّة وهذه الآلة حوله تظهر فيراها ويقدح فيه فيجدها، فتفصيل ذلك على الإيجاز أن جمل الخواطر ستة: هي حدود القلب وقوادحه من ورائها خزائن الغيب وملكوت القدرة وهي جنود اللَّه تعالى عتيدة وسلطان منه مبين والقلب خزانة من خزائن الملكوت قد أودعه مقلبه من لطائف الرغبوت والرهبوت وشعشع فيه من أنوار العظمة والجبروت ما شاء لأهل الرفيق الأعلى وذوي الملكوت الأدنى فأوّل التفصيل خاطر النفس وخاطر العدوّ وهذان لا يعدمهما عموم المؤمنين وهما مذمومان محكوم لهما بالسوء لا يردان إلا بالهوى وضد العلم وخاطر الروح وخاطر الملك وهذان لا يعدمهما خصوص المؤمنين وهما محمودان لا يردان إلا بحق وبما دل عليه العلم وخاطر العقل وهومتوسط بين هذه الأربعة يصلح للمذمومين فيكون حجة على العبد لمكان تمييز العقل وتقسيم المعقول لأن العبد يدخل في هواه بشهوة جعلت له واختيار لا يعسر عليه من حيث لا يعقل ولا إجبار ويصلح أيضاً للمحمودين فيكون شاهداً للملك ومؤيداً لخاطر الروح ويثاب العبد في حسن النية وصدق المقصد وإنما كان خاطر العقل تارة مع النفس والعدوّ وتارة مع الروح والملك حكمة من اللَّه تعالى لصنعته وإتقاناً لصنعه ليدخل العبد في الخير والشر بوجود معقول وصحة شهود وتمييز فيكون عاقبة ذلك من الجزاء والعقاب عائداً له وعليه إذ قد جعل سبحانه هذا الجسم مكاناً لجريان أحكامه ومحلاً لنفاذ مشيئته في مباني حكمته كذلك جعل العقل مطية للخير والشر يجري معهما في خزانة الجسم إذ كان مكاناً للتكليف وموضعاً للتصريف وسبباً للتعريف العائد من معاني ذلك على صورة العبد من لذة النعيم أو عذاب أليم فلم يكن العقل غائباً فيكون العبد عن العقل ذاهباً ولم تكن الشهوة عازبة فتكون النفس