الذي جعل في أمتي مثله واستمع أيضاً ذات ليلة إلى قراءة عبد الله بن مسعود ومعه أبو بكر وعمر رضي الله عنهم فوقفوا طويلاً ثم قال: من أراد أن يقرأ القرآن غضاً كما أنزل فليقرأ على قراءة ابن أم عبد، وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لابن مسعود: اقرأ فقال يارسول الله أقرأ وعليك أنزل، فقال إني أحب أن أسمعه من غيري فكان يقرأ وعينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تفيضان وذلك عند قوله: فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً، واستمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى قراءة أبي موسى فقال: لقدأوتي هذا مزماراً من مزامير داود فبلغ ذلك أبا موسى فقال: يا رسول الله لو علمت أنك تسمع إليّ لحبرت لك تحبيراً، وكان ابن مسعود يأمر علقمة بن قيس أن يقرأ بين يديه فيقول له: رتل فداك أبي وأمي، وكان حسن الصوت بالقرآن، وفي الخبر كان أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا اجتمعوا أمروا أحدهم أن يقرأ سورة من القرآن.
وقد كان عمر يقول لأبي مسعود رضي الله عنهما: ذكرنا ربنا فيقرأ عنده حتى كاد وقت الصلاة أن يتوسط فيقال: ياأمير المؤمنين الصلاة الصلاة، فيقول: أولسنا في صلاة؟ فكأنه يتأول قوله عزّ وجلّ، ولذكر الله أكبر، وقال بعض عباد البصريين لما وضع بعض البغدادين كتاباً في معاني الرياء ودقائق آفات النفوس، قال: لقد كنت أمشي بالليل أسمع أصوات المتهجدين كأنها أصوات الميازيب، فكان في ذلك أنس وحث على الصلاة والتلاوة حتى جاء البغداديون بدقائق الرياء وخفايا الآفات فسكت المتهجدون فلم يزل ذلك ينقص حتى ذهب وانقطع وترك إلى اليوم، فإن لم يكن للتالي نية في شيء مما ذكرناه وكان ساهياً غافلاً عن ذلك وكان واقفاً مع شيء من الآفات أو لمح في قلبه شخص أو ساكن ذكرى هوى فقد اعتل فعليه أن يحتمي الجهر فإن جهر على ثقل قلبه فسد عمله لاستكنان الداء فيه وكان إلى النقصان أقرب ومن الإخلاص أبعد فعليه حينئذ بالإخلاص فهو دواؤه يعالج به حاله فإنه أصلح لقلبه وأسلم لعمله وأحمد في عاقبته، وقد يكون العبد واجداً لحلاوة الهوى في الصلاة والتلاوة وهو يظن أن ذلك حلاوة الإخلاص وهذا من دقيق شأن الشهوة الخفية ولطيف الانتقاص، وقد يلتبس ذلك على الضعفاء ولا يفطن له إلا العلماء، وإنما يجد حلاوة الإخلاص الزاهدون في الدنيا وفي مدح الناس لهم به ويتلذذون بنصح المعاملة وصدق الخدمة المحبون لله عزّ وجلّ الخائفون منه واعتبار فقد ذلك بأحد شيئين: سقوط النفس باستواء المدح والذم وهذا حال في مقام الزهد، أو الخلو من القلب بشهادة اليقين وهذا في مقام المعرفة، وفي هذين المقامين يستوي السر والعلانية وقد تكون العلانية أفضل لأئمة التقوى والعدل.
وحدثت عن رجل من أهل الخير قال: كنت أقرأ في السحر في غرفة لي شارعة