سورة طه فلما ختمتها غفوت بعدها فرأيت شخصاً نزل من السماء بيده صحيفة بيضاء فنشرها بين يدي فإذا فيها سورة طه وإذا تحت كل كلمة عشر حسنات مثبتة إلا كلمة واحدة فإني رأيت مكانها محواً ولم أرَ تحتها شيئاً فغمني ذلك فقلت: قد والله قرأت هذه الكلمة ولم أرَ لها ثواباً ولا أراها أثبتت فقال الشخص صدقت قد قرأتها وكتبناها لك الا أنا سمعنا منادياً ينادي امحوها وأسقطوا ثوابها فمحوناها فبكيت في منامي وقلت: لم فعلتم ذلك قالوا: مرّ رجل فرفعت صوتك بها لأجله فمحوناها.
وقد روينا أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمع رجلاً يجهر بقراءته فناداه: يافلان أسمع الله ولا تسمعني واعلم أن السمعة مقرونة بالرياء ومحكوم لها بحكمه من فساد العمل ونقصان العامل وهي مأخوذة من السمع، كان العبد يسمع بعمله غير الله عزّ وجلّ ويحب أن يسمع به مخلوقاً ليمدحه به لغلبة هواه وضعف نفسه فيكون قد أشرك في عمله غير الله عزّ وجلّ فيبطل عمله لجهله بالتوحيد إذ لو علم يقيناً أن لا نافع إلا الله عزّ وجلّ ولاضار ولا معطي ولا مانع إلا إياه خلص له توحيد من الشرك فخلص له عمله من الرياء، وكذلك الرياء مأخوذ من رأي العين فالسمعة هي بمعناه، وفي الخبر: لايقبل الله عزّ وجلّ من مسمع ولا مراء، وفي خبر آخر: من سمع سمع الله به ومن راءى راءى الله به وصغره وحقره، فأما من كانت له نية صالحة في أن يسمع أخاه كلام الله ليتعظ به ويتدبره أو ينتفع باستماعه ويتذكر به فليس داخلاً في السمعة لوجود حسن النية وصحة القصد ولفقد اقتران الآفة لإرادة طمع عاجل من مدح أو غرض دنيا، كماقال أبو موسى لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو علمت أنك تسمع لحبرته لك تحبيراً، فلم ينكر عليه لأنه ذو نية في الخير وحسن قصد به، وقال الآخر الذي رفع صوته بالآية أسمع الله عزّ وجلّ ولاتسمعني فأنكر عليه لما شهد السمعة فيه.
وقد روينا أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرّ برجل يظهر التأوّه والوجل فقال: من كان معه يارسول الله؟ أتراه مرائياً؟ فقال: لابل أوّاه منيب واعلم أن الأكل والنوم على السلامة والصدق أفضل في الحال وأرفع في المقام وأحمد في المآل من القيام والصيام على يسير من التصنع والتزين للخلق، ومعرفة هذا والقيام به هو موضع علم العلماء بالله عزّ وجلّ، وحدثنا عن الحسن البصري قال: تفقد الحلاوة في ثلاث: فإن وجدتها فابشر وامض لقصدك وإن لم تجدها فاعلم أن بابك مغلق عند تلاوة القرآن وعند الذكر وفي السجود وزاد غيره وعند الصدقة وبالأسحار وقراءة القرآن في المصحف أفضل من قراءته عن ظهر قلب، يقال: الختمة بسبع ختم لأن النظر في المصحف عبادة وكان كثير من الصحابة والتابعين يقرؤون في المصحف ويستحبون أن لا يخرجوا يوماً إلا نظروا فيه وخرق عثمان مصحفين من كثرة درسه فيهما.