والنفع بكلام الله عزّ وجلّ أفضل المنافع ولأنه قد أدخل عملاً ثانياً يرجو به قربة ثانية على عمله الأول فكان في ذلك أفضل وليجعل العبد مفتاح درسه أن يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، رب أعوذ بك من همزات الشياطين، وأعوذ بك رب أن يحضرون، وليقرأ (قُلْ أعُوذُ برَبِّ النَّاس) الناس: 1، وسورة: الحمد قبلها، وليقل عند فراغه من كل سورة: صدق الله، وبلغ رسول الله، اللهم انفعنا به، وبارك لنا فيه، الحمد لله رب العالمين، أستغفر الله الحي القيوم، ومن حفظ جوارحه وقلبه عن المنهي فقد عمل بالقرآن إلى خاتمه لأنه مقسط على جملة العبد وجوارحه جملة، وفي الجهر بالقراءة سبع نيات منها الترتيل الذي أمر به، ومنها تحسين الصوت بالقرآن الذي ندب إليه في قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زينوا القرآن بأصواتكم، وفي قوله:
ليس منا من لم يتغن بالقرآن أي يحسن به صوته وهو أحد الوجهين وأحبهما إلى أهل العربية، والوجه الآخر أي من لم يستغن به من الغنية والاكتفاء، وقد يقال: من هذا الوجه يتغانى به ومنها أن يسمع أذنيه ويوقظ قلبه ليتدبّر الكلام ويتفهم المعاني ولا يكون ذلك كله إلا في الجهر؛ ومنها أن يطرد الشيطان والنوم عنه برفع صوته، ومنها أن يرجو بجهره يقظة نائم فيذكر الله عزّ وجلّ، فيكون هو سبب إحيائه؛ ومنها أن يراه بطال غافل فينشط للقيام ويشتاق إلى الخدمة فيكون معاوناً له على البرّ والتقوى؛ ومنها أن يكثر بجهره تلاوته ويدوم قيامه على حسب عادته للجهر، ففي ذلك كثرة عمله، فإذا كان العبد معتقداً لهذه النيات طالباً لها ومتقرباً إلى الله سبحانه وتعالى عالماً بنفسه مصححاً لقصده ناظراً إلى مولاه الذي استعمله فيما يرضاه فجهره أفضل لأن له فيه أعمالاً وإنما يفضل العمل بكثرة النيات فيه وارتفع العلماء وفضلت أعمالهم بحسن معرفتهم بنيات العمل واعتقادهم لها فقد يكون في العمل الواحد عشر نيّات يعلم ذلك العلماء فيعملون بها فيعطون عشرة أجور وأفضل الناس في العمل أكثرهم نية فيه وأحسنهم قصداً وأدباً وفي بعض التفاسير في قوله عزّ وجلّ (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) الضحى: 11، قال: قراءة القرآن.
وفي الخبر من استمع إلى آية من كتاب الله عزّ وجلّ كانت له نوراً يوم القيامة، وفي خبر آخر كتب له عشر حسنات والتالي شريك المستمع في الأجر لأنه أكسبه ذلك، وقال بعضهم: للقارئ أجر وللمستمع أجران، وقال آخر: للمستمع تسعة أجور وكلاهما صحيح، لأن كل واحد منهما على قدر إنصاته ونيته، فإذا كان التالي مكسباً لغيره هذه الأجور فإن له بكل أجر أكسبه إياه أجراً يكتسبه لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدال على الخير كفاعله سيما إذا كان عالماً بالقرآن فقيهاً فيه فيكون مقراه ووقوفه حجة وعلماً لسامعه، وفي الخبر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان ينتظر عائشة رضي الله عنها فأبطأت عليه، فقال: ماحبسك؟ فقالت: يارسول الله كنت أستمع قراءة رجل ماسمعت صوتاً أحسن منه، فقام صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى استمع إليه طويلاً ثم رجع فقال: هذا سلام مولى أبي حذيفة الحمد لله