إلى أن قال: ((مثل هذه الأقوال، وهذه الأفعال ترينا في محمد أخ الإنسانية الرحيم، أخانا جميعا الرؤوف الشفيق، وابن أمنا الأولى، وأبينا الأول.
وإنني لأحب محمدا لبرائة طبعه من الرياء والتصنع، ولقد كان ابن القفار رجلا مستقل الرأي، لا يقول إلا عن نفسه، ولا يدّعي ما ليس فيه، ولم يك متكبرا، ولكنه لم يكن ذليلا ضرعا، يخاطب بقوله الحرِّ المبينِ قياصرةَ الرومِ وأكاسرةَ العجمِ، يرشدهم إلى ما يجب عليهم لهذه الحياة، وللحياة الآخرة، وكان يعرف لنفسه قدرها، ولم تخل الحروب الشديدة التي وقعت له مع الأعراب من مشاهد قوة ولكنها كذلك لم تخل من دلائل رحمة وكرم وغفران، وكان محمد لا يعتذر من الأول، ولا يفتخر بالثانية))
إلى أن قال: ((وما كان محمد بعابث قط، ولا شَابَ شيئا من قوله شائبةُ لعب ولهو، بل كان الأمر عنده أمر خسران وفلاح، ومسألة فناء وبقاء، ولم يك منه بإزائها إلا الإخلاص الشديد، والجد المرير.
فأما التلاعب بالأقوال، والقضايا المنطقية، والعبث بالحقائق، -فما كان من شأنه قط، وذلك عندي أفظع الجرائم؛ إذ ليس هو إلا رقدة القلب، ووسن العين عن الحق، وعيشة المرء في مظاهر كاذبة.