ووقعتهم المأسوف عليها من الجنة والناس، فكانت الضربة القاضية التي قضت على كل مفكر بالانزواء والتدثر بدثار الموت المعنوي، حيث أن البلاد طولها والعرض لم تتصور الداء حتى تطلب له دواء، فبقي الحال على ذلك إلى أن جاء دور الاحتلال.
ولما أفرج عن سيدنا المترجم وزواياهم وبعض البعض من كتبهم انقطع للتدريس بالقرويين، وشرع يجاهد جهاده المعروف في مسألة إصلاح القرويين ومكتبتها، سعى في ذلك سعيه المتواتر، وطرق أبواب الحكومة مرات، ونشرت عنه جريدة السعادة مقابلة للمرشال اليوطي عام1331 ومحادثته في الموضوع، فكان من نتيجته تكوين المجلس العلمي، وإصدار الأمر بإصلاح حال مكتبة القرويين التي كانت مبعثرة ينخر في البقية الموجودة منها السوس، عدا عن يد الإنسان التي ما كانت أبقت إلا ما يصلح لمن ذكر، وسرعان ما قام منافسوه في معاكسة القضية الإصلاحية، وحيث أن اليد لا تكف وحدها وكل شيء بإبانه، فإذا جاء الإبان تجيء.
نعم يحب المترجم كل إصلاح وترق ينبني على أساسين: أساس الدين وأساس القومية المغربية وشعارها، فهو يحب الإصلاح والترقي الذي يقوده الدين وتعاليمه، ويرغب في التقدم الذي من غاياته دوام اعتبار القومية العربية المغربية وشعارها، ولا يحب الإصلاح الهادم لانقاض هذين الأساسين، ويود أن لا يكون حظ المصلح التمندل بمن سلف، والقضاء على كل قديم، والأخذ بكل جديد، بل يرى أن عقل المرء المؤمن ميزانه، فعليه أن يزن كل جديد وقديم بميزان الدين والقومية والمصلحة العامة، التي يعتبرها مصلحة عامة كل سليم الفطرة صحيح الإيمان غيور على البلاد عرف تاريخها ودينها وتقاليدها، ولا يرى أن نترك كل ماعلمناه من قبل لمقال في كتيب رمت لنا به مصر على علاته، لأنه جاء من مصر، ولأن عليه صورة جامعه، فهذا